يريد كثيرون تحميل عهد التميمي جرم كل شيء. يتجاهلون أنّها أمضت ثمانية أشهر كاملةٍ في زنازين الاحتلال الصهيوني. يتجاهلون الإعتداءات النفسية والجسدية التي تعرضت لها؛ وفوق كل هذا يتعاملون معها على أنّها في الثلاثين من عمرها.البارحة مثلاً؛ خرج علينا أحد «الملفقين» بتهمٍ جائرة تجاه المناضلة ذات السبعة عشر عاماً. تصل التلفيقات الغريبة التي أطلقها وتلقفها كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي (وصل مشاركة ما كتبه إلى أكثر من 100 مشاركة)، إلى حد التخوين، بدءاً من اتهام الصبية الشقراء بشتم «حزب الله»، والنظام السوري وإيران (عبر منشوراتٍ عبر حسابها على مواقع التواصل، مع العلم أنه لم يكن لها حسابٌ منذ أكثر من ثلاث سنوات على مواقع التواصل، وإذا كان هناك فعلاً، فهي كانت آنذاك تبلغ 13 عاماً)؛ وصولاً إلى اتهامها بـ «التطبيع والخيانة» بعد سلامها على محاميتها جابي لاسكي وزيارتها للرئيس الفلسطيني محمود عباس... مروراً طبعاً بنظرية المؤامرة الكبرى وبأنّها «معومة» من قبل الموساد. هذا الإتهام غير المدعوم بدليل، سرعان ما تحوّل إلى نقاشٍ حقيقي بين رواد المواقع الإفتراضية. المشكلة أنَّ النقاش بات أوسع بكثير مما يحتمل. فجأة، أصبحت الفتاة الصغيرة مسؤولة عن «تغطية» الإعلام لقضيتها، ومسؤولة عن عدم اهتمام الجميع بأسيرات غيرها، فضلاً عن تحميلها مسؤوليات جسام من قبيل: لماذا لا تخرج الأسيرات من الزنازين؟ أو لماذا لم تفعل هذا ولم تقم بذاك؟
محمد نهاد علم الدين (لبنان)

يجلس أحدهم خلف «كبيورده» في غرفته، يشغّل «نفس» الأرغيلة، ثم تبدأ التسلية: يختار ضفةً لصراعه، وينطلق. يطلق الأحكام جزافاً، هنا وهناك، يعطي رأيه في هذا، وذاك. كل المشكلة أن لا حدود للأمر، لا ضوابط تمنع حدوث ذلك. يحق لأيٍ كان أن يبدي رأيه في قضية، ويعطي حكماً مبرماً فيها، و«يقتل» افتراضياً، وفوق كل هذا لا يحق للشخص عينه أن يدافع عن نفسه، ناهيك بمحاولة المقارنة بين «السجون» الصهيونية والسجون السورية. أمر اشترك فيه المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني افيخاي أدرعي، والعديد من الناشطين والإعلاميين.
تحاكم التميمي لأنّ الإعلام اهتم بقضيتها، ولأنّ شكلها مختلفٌ عن المعتاد، تحاكم لأنها لا تشبه «النمط» المحدد للصورة الفلسطينية التي يظهرها الإعلام في المعتاد. الأمور نفسها التي جعلتها «ايقونةً» إعلامية فلسطينية، تزيد من نمط العداء لشخصها ولما تمثّله. اللافت أنّ كثيراً من قادة الصهاينة قالوا بأنه يجب أن تبقى في السجن ما بقيت على قيد الحياة، وبأنها وعائلتها تؤذيان إسرائيل اكثر مما تفعله الصواريخ، مما جعلها من الأعداء الأوائل للكيان العبري. هذا العداء، تلقفه بعض العرب، وبدأ استخدامه على نمطٍ واسع في «شيطنة» الفتاة الصغيرة، وتحويلها إلى «خائنة» و«أكذوبة» و«أيقونة زائفة»!