بعد تدشينها سلاسل وثائقية متنوعة الاتجاهات ثقافياً وسياسياً، بدأت مع سلسلة «اميل لحود» (9 أجزاء)، قبل عام، وتبعتها سلسلة «هذا هو اسمي أدونيس» (6 أجزاء)، في نيسان (أبريل) الماضي، تبحر «الميادين»، هذه المرة، في تاريخ سوريا الحديث. تعود أربعين عاماً إلى الوراء، لإعادة قراءة تلك الحقبة من حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد (1930 ــــ 2000). «الرجل الذي لم يوقّع» (إعداد وإنتاج زاهر العريضي- إخراج هالة بو صعب - مساعد مخرج : أمير بن جدو- منتج منفذ ندى نجفي)، سلسلة وثائقية جديدة تطلقها قناة «الواقع كما هو» يوم غد الأحد. أسبوعياً، ستتناوب الأجزاء، لتتحدث عن مرحلة الصراع العربي -الإسرائيلي، ودور سوريا المحوري فيه. تتكئ السلسلة على شخصية الرئيس السوري الراحل، لتروي عبره مسار حقبة بأكملها امتدت من «النكبة» (1948)، واغتصاب فلسطين، وصولاً الى عام تحرير الجنوب اللبناني (2000)، ووفاة الأسد في حزيران (يونيو) من العام نفسه.

استحضار مرحلة الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي تفكّكت مساراته مع الوقت، ليستحيل مفاوضات ومحادثات منفردة بين بعض الدول العربية، كمصر وفلسطين والأردن، لم يكن سهلاً بالتأكيد على القائمين على هذه السلسلة التوثيقية. محطات تاريخية مهمة، تسردها الأجزاء الـ 12، وتروى هذه المرة على لسان المستشارة الإعلامية والسياسية للرئيس بشار الأسد بثينة شعبان. ستطل شعبان، التي تحاورها الإعلامية المخضرمة سعاد قاروط العشي، (راجع الكادر)، في هذه الأجزاء كراوية وشاهدة على مراحل المفاوضات والمحادثات، وعلى كواليسها. وهي المؤرخة لتلك المرحلة عبر كتابين الأول «عشرة أعوام مع حافظ الأسد: 1990-2000» (مركز دراسات الوحدة العربية-2014) عندما شغلت منصب المترجمة المباشرة للأسد، والثاني «حافة الهاوية: وثيقة وطن» (دار بيسان للنشر والتوزيع-2016)، الذي تتناول فيه مرحلة المفاوضات بين وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، والأسد الأب بين أعوام 1973 و1976.
أربعون عاماً، تستعرضها السلسلة الوثائقية، بالاستناد إلى مجموعة من الشهود الذين عاصروا تلك الفترة الزمنية، وأغلبهم كانت لهم صلة مباشرة بالأسد وما يجري من أحداث وكواليس في تلك الفترة، من ضمنهم: السفير الأميركي الأسبق في دمشق، ريتشارد ميرفي، والمؤرخ إيلان بابيه، والسفير الروسي الأسبق في سوريا ألكسندر زوتوف، والسفير السابق الإيراني هناك حسين شيخ الإسلام، ووزير الخارجية اللبناني الأسبق فارس بويز، كريم بقرادوني، ويليام كوانت (صاحب مؤلفات في الصراع العربي-الإسرائيلي).
من تاريخ فترة تثبيت حكم الأسد في السبعينيات (1971)، بعد سلسلة الانقلابات في البلاد، مروراً بحرب «تشرين» (1973)، بين الكيان الصهيوني وسوريا، وبالمفاوضات التي قادها كيسنجر مع الأسد (1973 و1976)، ومؤتمر «مدريد» (1990)، و اتفاقية «أوسلو» (1993)، و«وادي عربة» بين الأردن و«إسرائيل»، (1994)، وصولاً الى تفاهم «نيسان» (1996)، ومؤتمر «جنيف» (مارس 2000)، وعام التحرير ووفاة الأسد... كلها محطات تاريخية أساسية، رسمتها السلسلة، التي وضع موسيقاها التصويرية السوري سمير كويفاتي، الذي عرف جيداً كيف يوظف موسيقاه في مراحل مختلفة من سياقات السلسلة التاريخية، ويجذب إليها كل مشاهد متحمس لقراءة أو إعادة قراءة تلك الحقبة.
تتناول الأجزاء مرحلة الصراع العربي - الإسرائيلي، ودور سوريا المحوري فيه مع بثينة شعبان


تكمن أهمية هذه السلسلة ــــ وفق ما يؤكد لنا منتجها ومعدّها زاهر العريضي ــــ في كونها فرصة «لإعادة استحضار التاريخ»، من دون أن يعني ذلك، تدخلاً فيه، تحليلاً أو تحريفاً لسياقاته الزمنية. فالسلسلة ــ كما يسرد ــــ تستعرض الأحداث بعين سورية (بثينة شعبان)، وعلى ألسنة الشهود المباشرين في تلك المرحلة، وتنقل دور سوريا والأسد على حدّ سواء، في الصراع العربي- الإسرائيلي، لتشكل بالتالي، فرصة للأجيال الحالية للاطلاع على هذا التاريخ، عبر رسم مساره، بدقة متناهية. على سبيل المثال، يكشف الوثائقي أن الدور الأساس في إبرام ما عرف بـ «تفاهم نيسان» (1996)، كان للرئيس السوري الراحل، والمفاوضات التي أجراها مع الأميركيين، بخلاف ما واظبت على تأكيده الميديا اللبنانية وغيرها بأن من صنع هذا التفاهم هو رفيق الحريري.
لا شك في أن الخوض في غمار تاريخ بأكمله، والمرور على حقبة توازي الأربعين عاماً أو أكثر، عملية معقدة تتطلب بذل جهود مكثفة (استغرق تنفيذ السلسلة أكثر من عام)، في إيراد معلومات وحتى الكشف عن وثائق للمرة الأولى. هذا ما ستفعله شعبان، الراوية الأساسية في السلسلة، التي تشكل مرجعاً في تلك المرحلة، إضافة إلى صعوبات قد يواجهها فريق العمل على رأسها غياب المواد الأرشيفية (بحث في الأرشيف فاطمة عليق). هذا ما شكت منه المخرجة هالة بو صعب في حديث مع «الأخبار» تركز على هذا الجانب الهام من صناعة السلسلة. جانب كان بالتأكيد كافياً صوتاً وصورة، وغرافيكس، ليكسر نوعاً ما كلاسيكية إخراجها. على سبيل المثال، أصرّت المخرجة على اختتام كل جزء بصوتية أو بشريط بصري يعود الى الأسد، للتأكيد على صوابية ما كان يدعو إليه في السابق، والآن نشاهده أمامنا: «التاريخ يعيد نفسه». إلى جانب المقابلات، والمواد الأرشيفية (من ضمنها أرشيف صحيفة «السفير»)، عمدت بو صعب، إلى تنفيذ مجموعة كليبات بصرية قصيرة تختصر مرحلة سردية تاريخية من السلسلة، كـ «تفاهم نيسان» أو «مؤتمر مدريد».
«الرجل الذي لم يوقع»، سلسلة وثائقية جديدة، تقدم للمشاهد بالصوت والصورة، تفاصيل تلك الفترة الزمنية من التاريخ السوري، وتكشف كواليسها. في أماكن عدة، تعيد تصويب المسار التاريخي، على لسان شهود مباشرين عمل بعض العرب على تشويهه. تختصر السلسلة أربعين عاماً، من تاريخ العربي ــ الإسرائيلي، ليعاد عبرها قراءة الحاضر، وما يحصل أخيراً، في البلدان العربية، من خراب ويقف عند حال الدول التي وقعت اتفاقيات «سلام» مع العدو، وسط سؤال كبير يطرح نفسه: «ماذا لو وقّع الأسد.. ماذا كان سيحصل؟».

* الجزء الأول من «الرجل الذي لم يوقّع» غداً عند الساعة 21:00 على «الميادين» على أن تتوالى باقي الأجزء أسبوعياً في اليوم والموعد نفسه



سعاد قاروط العشي من أعالي قاسيون
للمرة الأولى في مسيرتها المهنية، تخوض الإعلامية المخضرمة سعاد قاروط العشي تجربة تقديم برنامج وثائقي. ستطل العشي في الأجزاء الـ 12، ضمن حوار مع بثينة شعبان المستشارة الإعلامية والسياسية للرئيس بشار الأسد. وجهاً لوجه، سيكون اللقاء الذي استغرق الكثير من الوقت والتحضير. في ظروف صعبة لتصوير السلسلة في الشام، كانت تتعرض فيه لهجمات إرهابية، خاضت الإعلامية اللبنانية هذه التجربة، التي ستدشنها من «جبل قاسيون» المطل على المشهدية البانورامية لعاصمة الياسمين، وقد كان وقتها مصنفاً على أنه منطقة عسكرية وخطرة. تدخل بعده الى بيوت دمشقية عريقة، لتبحر مع شعبان في حقبة حكم الأسد الأب. في اتصال مع «الأخبار»، تخبرنا العشي، عن سعادتها بخوض هذه التجربة، لا سيّما الميدانية الغائبة عن مسيرتها الإعلامية (1957-2000)، التي كانت محصورة آنذاك بجدران استديو الأخبار. إضافة الى تجربة المحاورة التي لم تكن جديدة عليها، فإن الإعلامية اللبنانية، كانت معاصرة لتلك الحقبة ومواكبة لها، من خلال تحرير وتقديم الأخبار في «تلفزيون لبنان» آنذاك. وعن الصعوبات التي واجهتها في السلسلة الوثائقية، تؤكد العشي بأنها لم تواجه أياً منها، خاصة مع فريق عمل «مساعد ومساند»، كما لم تنس وصف ضيفتها بـ «الأمينة»، و«الهادئة»، و«الدقيقة».