لا تحيد الشخصيات التي يختارها البريطاني ساشا بارون كوهين (47 عاماً) في أعماله عن الطابع الاستفزازي الفاقع. هكذا عهد محبو الممثل الجدلي، وهكذا اعتادوا على إسقاطاته الساخنة والملغومة للواقع السياسي. إلا أنّ كوهين يأبى في كل مرّة إلا أن يؤجج الجدل عند كل ظهور وعمل يقدّمه، ليسجّل بطرافته كل التابوهات المجتمعيّة السائدة من دون أي ارتياب أو حذر. بعد تجاربه الهزلية على شاكلة «علي ـ ج» (2002) و«الدكتاتور» (2012) و«بورات» (2006) و«برونو» (2009)، يعود كوهين في مشروع تلفزيوني جديد بعنوان ?Who Is America (إنتاج شبكة «شو تايم»)، يدور في فلك المقالب التي ينفذّها بوجوه سياسية نافذة، ضمن سياق لا يخلو من الاستعراض والسخرية المبطّنة.
السجال الذي رافق إطلالة كوهين الأولى في البرنامج بعد استضافته للمرشح الرئاسي السابق عن الحزب الديمقراطيّ بيرني ساندرز، لم يلبث إلا أن استعر بعد حلقته الثانية. هنا، يظهر كوهين في شخصية كولونيل إسرائيلي سابق في الموساد اسمه «إيران مُراد». يرتدي الرجل بزّة سوداء قاتمة ويتمتع بتقاسيم وجه غليظة. بلكنته الهجينة، يحاور هذا العسكري مجموعة من الناشطين والسياسيين لمعرفة آرائهم حول ضرورة تسليح الأطفال منذ سنّ الثالثة. هكذا، وبنباهة كوميدية لافتة، يزيح كوهين الستار عن مكنونات الضيوف وتوجّهاتهم الحقيقية، التي سنجدها تنحدر بشكل تدريجي إلى درجة عالية من الجنون والتطرّف. على سبيل المثال، وخلال نقاش الفنان مع ممثل ولاية كارولاينا الجنوبية في مجلس الشيوخ الأميركي، جو ويلسون، سيُدافع
مع الناشط في مجال تشريع اقتناء الأسلحة فيليب فان كليف في إحدى الحلقات
البرلماني بشراسة عن فكرة إمداد الأطفال بالأسلحة، قائلاً: «لا يمكن لطفل في سن الثالثة أن يصد بندقية بمحفظة «هيلو كيتي» (شخصية كارتونية). لم يضع أباؤنا المؤسّسون حدّاً عمرياً في التعديل الدستوري الثاني المنظّم لامتلاك الأسلحة».
بدوره، لم يتوان البرلمانيّ السابق، جو والش، عن تأكيد إصراره على صحّة الطرح الساخر نفسه، مشيراً إلى أنّ «دورة التدريب المكثفة والمخصّصة للأطفال الذين ترواح أعمارهم بين 12 و14 عاماً ستعرّف هؤلاء بالمسّدسات والبنادق وصواريخ الهاون. وخلال شهر كامل أو أقل، سيتحوّل طالب الصف الأوّل إلى رامٍ محترف للقنابل».
كذلك، سنلاحظ اهتمام مؤسِّس رابطة «ملّاك الأسلحة الأميركيين» اللافت بالقضية حين يقول: «الصغار بريئون، لم تفسدهم بعد الأخبار المغلوطة والمثلية الجنسية»، ليضيف من بعدها بجديةٍ مستهجَنة مستخدماً أسماء فنانين وفرق غناء شهيرة: «اليافعون تحت سن الخامسة يمتلكون نسباً مرتفعة من هرمون «بلينك ــ182» الذي ينتجه جزء في الكبد تحت مسمى «ريتا أورا». هذا الأمر يمكّن ردود الأفعال العصبية من العبور من مسار «كاردي بي» العصبي حتى مسار «ويز خليفة» بنسبة أسرع بـ40 في المئة، ما سيوفّر الوقت وينقذ حياتهم».
التكثيف الهزلي سيمتد طوال الحلقة، إذ أنّ كوهين الذي تتلمذ على يد الكوميدي الفرنسي الشهير فيليب غولييه لستة أشهر، سيسعى إلى تدريب نائب الحزب الجمهوري جايسون سبينسير على كيفية الإطاحة بالإرهابيين. من بعدها، ستتوالى مشهديات صادمة تظهر فيها «سذاجة» سبينسير الفادحة، حيث سنراه يحاول التقاط صورة من أسفل عباءة امرأة محجبة للتأكد من أنّها ليست إرهابية، بينما يحمله كوهين على التشدّق بعبارات صينية وشتائم عنصرية.
هذه بعض العيّنات التي تضمّنها ?Who Is America الطافح بالرموز الساخرة، والذي استضاف أيضاً نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، وهاجمته الصحافة الإسرائيلية. رموز استخدمها كوهين ليضيء على جوانب مختلفة من السياسات الأميركية الحالكة، وعلى الثغرات الهائلة التي تحتويها آراء أهل السياسة النافذين، وذلك في إطار خلال لعبة استدراج عمديّة ومتقنة. فما الذي يخبئه كوهين في جعبته للحلقة المقبلة (29 تموز/ يوليو الحالي)، وهل ستكون جدلية أيضاً؟