واحدة من أقوى نقاط العمل لربما والتي تحتسب له هي وجود مجدي مشمشوي وأحمد الزين فيه، فالممثلان المخضرمان يضيفان الكثير من الحرفة عليه، خاصة أنهما يوفران الكثير من الـcomic relief (مواقف مطعّمة بالسخرية) فيه. لكن يُعاب على النصّ أنه أخذ شخصية البخيل (أيّ مشموشي) إلى الجانب المؤذي، بدلاً من أن يُحافظ عليها ضمن البخيل الظريف. عمّار شلق وفيفيان أنطونيوس بطلا العمل، جاهدا كثيراً للحفاظ على أدائهما التقني المعتاد، يمكن القول بأنهما تأرجحا، صحيح أنهما ظلال محترفين لكن بدا أنهما يقدران على إعطاء المزيد. نقطة أخرى يمكن احتسابها للعمل هي أنّه إستخدم ممثلين من بيئة المقاومة عينها، وهو أمرٌ يمكن المراكمة عليه خلال السنوات القادمة. بعض الممثلين لم يكن موفّقاً، فيما بعضهم بدا متعثراً، لكن ذلك لا يمنع من أنَّ الفكرة ذكية وناجحة في آنٍ معاً. في الإطار نفسه، لا يمكن نسيان بعض الشخصيات المسطحة التي يقدّمها المسلسل: مثلاً الشاب العاشق الذي يضرب أيّ شخص يسّلم على ابنة عمه التي يحبّها. هذا المشهد كما الشخصية مدمّر للغاية ولكل شيء. بداية، نحنُ في لبنان أرض المقاومة، ونعرف تماماً تأثير المرأة كما دورها في حماية بيئة المقاومة. في نفس الوقت، جامعاتنا بغالبيتها مختلطة، بمعنى أن زميل الدراسة يمكنه الحديث بسهولة مع زميلته في الدراسة، ودون أن يكون لديه نيّة من أيّ نوع (في المشهد لا يظهر أنه لدى زميل الدراسة أية نية مبيتة). لم ينجح كاتب السيناريو في تمرير شخصيات من هكذا نوع بشكل عفوي، فمرّرها بهذا الشكل الإعتباطي الغريب. نقطة أخرى تحتسب للعمل هي نجاحه في تصوير البعد الزمني للمرحلة، أيّ الأغراض التي كانت تستخدم في تلك الأوقات (كالهواتف الخليوية التي استعملت آنذاك، السيارات، وسواها).
أبرز نقاط الضعف كما في أغلب أعمال المركز هو أشراره
لكن أبرز نقاط الضعف في المسلسل، كما في أغلب أعمال المركز هو أشراره. هنا نحنُ نتحدّث عن الشرير الكاريكاتوري. الشرير الذي تجده في الرسوم المتحرّكة. الشرير ذو الضحكة الرنانة الشبيه بشخصية «كرويلا» من 101 Dalmatians لديزني مثالاً. إنه الشرير الذي يشرب الخمر ويغتصب ابنته، ويشتم أولاده. شريرٌ يقوم بكل الموبقات دون أن يرف له جفن. في الدراما، الشرير هو نصف المسلسل إن لم يكن كلّه. الشرير القوي/ المناسب يجعل البطل كبيراً، عظيماً. أما الشرير التافه، فيجعل خصمه تافهاً مثله. للملاحظة: لم يكن معظم عملاء العدو الصهيوني شاربي خمور وشاتمي أطفال ومغتصبي أبناء، فالكثير منهم كانوا يمثّلون ذروة الأدب. ألم يسمع صنّاع العمل بهذا النوع من العملاء؟ أمرٌ آخر يمكن النقاش حوله هو قدسية أبطال العمل، ففي إطار جهد صنّاع العمل للحديث عن المقاومين، نحوا بشكلٍ لربما غير مقصود إلى فكرة التقديس (ولا نتحدث هنا عن المقدّس الديني بالتأكيد)، فبدا الأبطال بلا أخطاء، بلا شوائب أحياناً، وإن قاموا بسلوكٍ خاطئ فإنهم سرعان ما يعودون عنه ركضاً. الفكرة أنه حتى أفضل الناس يقومون بأخطاء ويمرّون بظروفٍ – في الدراما عادةً- تجعلهم يخوضون الصراعات للوصول إلى نقطة نجاحهم الكبرى. هنا يجب الإشارة إلى أنَّه تقريباً يغيب هذا النوع من الشخصيات عالمياً، إذ تنحى الدراما إلى إيجاد شخصيات يمكن التماهي معها والتماثل بها، ويمكن قصد صنّاع العمل تمييز هذه الشخصيات عن أشرار العمل من خلال سلوكها اليومي/ المعتاد، لكن الشخصيات بدت إلى حدٍ ما خيالية إلى حدٍ كبير.
إخراجياً، لا يمكن القول بأن المخرج محمد وقّاف قد قدم عملاً سيئاً، لكن في الوقت عينه هو ليس عملاً يظلّ الناس يحكون عنه لسنين طوال. هذا طبعاً ليس أمراً خاصاً بـ«بوح السنابل» وحده، بل إن هذا هو حال كل الدراما العربية تقريباً هذا العام، ما عدا ربما مسلسل أو اثنين فيهما حرفة اخراجية كمسلسلي «الواق واق» للليث حجو و«وحدن» لنجدت اسماعيل أنزور السوريين.
المسلسل بالتأكيد هو محاولة ولا شك أنها مستمرة ودؤوبة من المركز لخلق دراما – كما أشرنا- محلية ومقاومة، لكنها بالتأكيد تعوزها الكثير من التقانة والإلتفات أكثر، ويكفي أن نطرح السؤال الأهم: هذا الكم الهائل من الممثلين في العمل – كما كل أعمال المركز- ما حكمته؟
مسلسل «بوح السنابل» 21:30 على قناة «المنار»
12:30 على «سوريا دراما»