دمشق| في تمام الساعة الرابعة فجر أمس، تناقلت الفضائيات العربية خبراً عاجلاً مأخوذاً عن «فوكس نيوز» قالت فيه نقلاً عن مسؤول في الإدارة الأميركية إن الرئيس دونالد ترامب صادق على قرار شنّ عدوان على سوريا، قبل أن يظهر خبر جديد يقول إن ترامب سيظهر خلال دقائق في خطاب يعلن فيه قراره بخصوص سوريا. هكذا، أحال «مجنون البيت الأبيض»، كما تسميه صفحات التواصل الاجتماعية السورية، الوقت الميّت بالنسبة إلى الإعلام العربي إلى ساعة ذروة تتسابق فيها الأخبار العاجلة. ما هي إلا دقائق حتى أطل ترامب من الغرفة الدبلوماسية في البيت الأبيض، وأدلى بنيّته شنّ العدوان. في هذه الأثناء، دوّى صوت صواريخ العدوان الأميركي والبريطاني والفرنسي في دمشق. القنوات السورية سارعت لنقل الخبر، بينما تداولت بقية المحطات ما نقلته «وكالة الأنباء الفرنسية» عن سماع دوي انفجارات في الشام. «الميادين» أيقظت مديرة مكتبها ديمة ناصيف، لكن المعلومات كانت شحيحة لحظتها، فلم يكن هناك حلّ أفضل من النقل المباشر من خلال مذيعتها وفا سرايا المتواجدة في دمشق. أطلت سرايا من أمام أحد الفنادق في قلب العاصمة، وراحت تنقل ما يحدث، من دون أن تتمكّن من إخفاء فرحها بأنها موجودة في «مدينة الياسمين» إلى أن واكبت التغطية تقارير شاملة أعدتها ناصيف.
الخبر المفرح بالنسبة إلى السوريين والذي تناقله الإعلام المحلي ثمّ «الميادين»، كان عن تصدّي الدفاعات الجوية للصواريخ. لكن هذا الخبر تحديداً أزعج «العربية -الحدث» فلفّت ودارت. ومن أجل نفيه، اتصلت بضابط سوري منشق يقيم في الرياض وسألته عن المعلومة، فأجابها بخفة أن الدفاعات جرّبت أن ترد بعد مرور أربعين دقيقة على «الضربة»، على اعتبار أنه تم تعطيلها من قبل الدول التي نفّذت العدوان. طبعاً الانفصال الكلي عن الواقع، دفع المحطة للوقف عند الحدود اللبنانية - السورية، وترك الهواء لمراسلها هناك كي يقول إن السيارات السورية تتردّد في الدخول إلى الشام، علماً بأنه خلال سبع سنوات حرب، لم تتوقّف أو تخفّ حركة المرور ذهاباً وإياباً على هذه البوابة الحدودية تحديداً، إلى جانب زلات لسان غريبة كأن تقول مراسلتها في واشنطن إن «الضربة» مشتركة من روسيا وأميركا وفرنسا. كل ذلك كان مجرد تمهيد أمام السقطة المهنية الكبرى لدى إعدادها تقريراً عن مواقع تسعة ادّعت أنها تعرضت للقصف، وذكرت بينها «مطار الضمير العسكري» في حمص! لم يخطر في بال معدة التقرير أن تبحث في «غوغل» لتعرف بأن مدينة «الضمير» تقع في ريف دمشق وتحديداً في منطقة القلمون الشرقي. على المنوال ذاته، لم يكن أمام «العربية» لتصوير دمشق سوى نقل بث «الفضائية السورية» التي كانت تنقل تجمعات بعض المواطنين في ساحة الأمويين. «الجزيرة» حسمت أمرها وعادت منذ اللحظة الأولى لخطها المتحامل على سوريا، واعتبرت أن القصف موجّه فقط ضد «النظام السوري»، ثم تركت لمراسلها في مناطق سيطرة المسلحين في أرياف حمص فرصة التكهن، والأخبار المغلوطة على الهواء مباشرة في وقت لم يكن متاحاً فيه لأحد الإطلاع على أخبار دقيقة. الصفحات السورية صبّت جام غضبها على شخص ترامب، ونشرت بكثافة تعليقات ساخرة، معتبرة أن تغريدات الرئيس الأميركي أقوى من صواريخه، وأن «فيلق الرحمن» مربك أكثر من أميركا وتحالفاتها الكبرى، قبل أن تتناقل مقطعاً للمذيعة المصرية خلود زهران وهي تتغزل بدمشق عبر قناتها «إكسترا نيوز» وتختم بالقول «من القاهرة هنا دمشق».