قبل ثلاثة أعوام، انطلق موقع «هاف بوست» ليكون النسخة العربية من الموقع العالمي «هافينغتون بوست».آنذاك، وعد المشرف العام على الموقع وضاح خنفر بأن يكون المولود الجديد إضافةً نوعية، مؤكداً على الاستقلالية التحريرية للموقع الذي اتخذ من تركيا مقراً له، مضيفاً أنه سيكون مساحة للتعبير عن الآراء والأفكار بحرية وتوازن، بعيداً عن الاستقطاب والإقصاء، بينما توقعت مؤسسة النسخة الأصلية آريانا هافينغتون خلال إطلاق الموقع آنذاك، أن يقدم «هافينغتون بوست» أحداث العالم العربي بصورة كاملة وموضوعية في ظل حالة العنف التي تجتاح الشرق الأوسط، بعد «الربيع العربي».
وقالت هافينغتون، وهي رئيس تحرير الموقع، إن النسخة العربية ستكون مصدراً يستفيد منه محررو النسخ الأخرى من الموقع في جميع أنحاء العالم، عن أحداث المنطقة العربية.
بعد مرور ثلاثة أعوام على التجربة، أعلن الموقع قبل أيام عن إنتهاء العمل باسم «هاف بوست» بالعربي، وطلب من زواره التوجه إلى موقع آخر باسم «عربي بوست».
مصادر في الموقع أكدت أن المؤسسة الأم «هافينغتون بوست» ألغت الاتفاق مع شركة «إنتيغرال ميديا» التي يملك وضاح خنفر النسبة الأكبر من أسهمها.
وعن أسباب فض الشراكة، يقول أحد المحررين في الموقع لـ «الأخبار» إن الكثير من الشكاوى وصلت إلى المؤسسة العالمية حول أداء النسخة العربية من الموقع، فسياسته التحريرية لم ترق إلى مستوى النسخة الأم، إذ كان تقييم «هاف بوست» العربي، الأسوأ بين 14 إصداراً للشركة بلغات مختلفة. وبناءً عليه، اتخذت الشركة قرارها بإلغاء رحلة الشراكة القصيرة، بعد تقييم شامل للأداء خلال ثلاث سنوات.
ويكشف المحرر عن المراسلات التي كانت تجري بين المؤسسة الأم والنسخة العربية، إذ تزايدت الشكاوى بعد أزمة قطر، ومحاولة الانقلاب في تركيا، وتغطية الأحداث في مصر وسوريا من وجهة نظر الدوحة، واستغلال الموقع كأداة في حملات التشويه والتحريض ضد خصوم قطر، ووسيلة لتلميع صورة أصدقائها.
وتحدثت مصادر أخرى في الموقع عن امتعاض الشركة الأم بسبب تشويه النسخة العربية لسمعة المؤسسة العالمية، بعد استغلال الاسم كأداة للترويج لأجندة الإخوان المسلمين، وغيرها من تيارات الإسلام السياسي التي تدعمها قطر.
وأكدت المصادر بأنّ الشركة الأم قالت علانية إن الموقع الأصلي لا يمكنه تحمل تدني مستوى الخطاب الإعلامي في النسخة العربية، بعد سقوط الموقع الأميركي الشهير في الإعلام الشعبوي الذي تروج له الدوحة من خلال المنابر الإعلامية التي تمولها، إذ أصبح محتواه أقرب إلى المواد المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتضيف المصادر أن مؤسسة «هافينغتون بوست» وصلت إلى قناعة بأن النسخة العربية من الموقع تحولت إلى أداة دعائية، تعمل على ترويج العنصرية والصراع الطائفي وخطاب الكراهية بين الدول، وتلمع صورة جماعات تصنفها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية. وتضيف المصادر إن الشركة الأم تخشى أن يفهم قراء النسخة العربية من «هاف بوست» أن الموقع يعبر عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
تحدثت مصادر عن امتعاض الشركة الأم بسبب تشويه النسخة العربية لسمعة المؤسسة العالمية


وواجه الموقع منذ انطلاقته اتهامات بالتبعية الكاملة والانحياز المطلق لسياسة قطر، وهي الممول الأساسي للموقع. ويقول هؤلاء إن الموقع أصبح منصة إضافية في خدمة البروباغاندا والإعلام القطري.
ويقول بعضهم إن خنفر، المدير السابق لقناة «الجزيرة»، حوّل النسخة العربية من «هاف بوست» إلى بوق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذراع إعلامية لجماعة الإخوان المسلمين التي تدعمها الدوحة، مستغلاً العلامة التجارية العالمية للموقع الأميركي الشهير.
في المقابل، يرى مطلعون على الملف بأن إغلاق النسخة العربية من «هاف بوست» نتيجة طبيعية بعد أزمة قطر مع بعض دول الخليج ومصر، إذ كانت المطالب الأساسية لدول الحصار من الدوحة، إغلاق قناة «الجزيرة»، وغيرها من الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تمولها قطر.
وحول النسخة البديلة «عربي بوست»، يقول هؤلاء إن الموقع الجديد تبنى خطاباً أكثر دبلوماسية، إذ نشر على الواجهة أخباراً إيجابية عن السعودية، وبعض المواد التي تنتقد جماعات مسلحة إسلامية تدعمها قطر في سوريا.
وتحول اسم جميع حسابات «هافينغتون بوست عربي» على مواقع التواصل الاجتماعي إلى «عربي بوست»، ويرأس تحرير الموقع الجديد الصحافي أنس فودة، وهو رئيس تحرير «هاف بوست» سابقاً.
وتميز «هافينغتون بوست» منذ انطلاقته عام 2005، بأنه وليد الإنترنت، وليس واجهة لأي مؤسسة إعلامية تقليدية، وبرز كموقع للتدوين وتجميع الأخبار، حيث تعاون مع مئات المراسلين والكتاب والصحافيين في مختلف أنحاء العالم.
وفي العام 2012، حصل الموقع على جائزة «بوليترز» في الصحافة، ليصبح أول موقع إلكتروني يحصد تلك الجائزة.
ويشكل قراء الموقع خارج الولايات المتحدة نسبة 60% من جمهور «هافينغتون بوست» الذي يعتبر من كبار الناشرين وصنّاع المحتوى الإعلامي في العالم.