لطالما أعطت مادة الاقتصاد انطباعاً بأنها ثقيلة تحتاج الى متخصصين لتبسيط مفرداتها وفهمها. ومع توأمتها في عالم الصحافة، بات الأمر يحتاج الى جهد أكبر، بما أنّ الأخيرة تخاطب جمهوراً من مشارب واسعة ومختلفة. في السنوات الأخيرة، ازدادت الحاجة الى الاطلاع أكثر على المواضيع الاقتصادية، لما لها من علاقة مباشرة بحيوات الناس (انتبهوا الى هذا الأمر بشكل متأخر)، ومفاصل تحركاتهم اليومية.
إذا ما نظرنا فعلياً الى شرايين هذه الحيوات، لا بدّ من أن نلحظ تلك العلاقة العضوية بين الاقتصاد والجمهور، بدءاً من الصناعة والزراعة مروراً بالسياحة والضرائب والاستشفاء وحركة المصارف، وصولاً إلى التكنولوجيا، والعقارات. ومن جهة أخرى، هناك علاقته المباشرة مع شبكة سياسية ومصلحية واضحة.
الإعلام اللبناني لم يذهب الى إيلاء أهمية لافتة للاقتصاد. طيلة السنوات التي خلت، اكتفى بتخصيص دقائق قليلة في النشرات الإخبارية المسائية، توضع في آخر النشرة مع باقي المنوعات، وأخبار المتفرقات، أو قبيل نشرة الأخبار كما كانت تجربة «الجديد» قبل أربع سنوات مع «اقتصاد السوق» (إعداد وتقديم ألين حلاق). اليوم، بتنا نشهد تغيرات واضحة في هذه الفقرات، ومجاراتها للعصر التكنولوجي (استخدام تقنيات الغرافيكس...)، وأيضاً في الجهد المبذول كي تكون مفهومة ومتابعة لدى شرائح واسعة من اللبنانيين.

مصطلحات مبسطة
تحاكي الهموم المعيشية المباشرة للمواطن

الفقرات الاقتصادية على القنوات المحلية، التي تراوح بين نشرات قصيرة محترفة، وأخرى بدائية، أسهمت عوامل عدّة، في نهوضها إن صح التعبير، والتفاف الجمهور حولها، لا سيما مع ربطها بالأحداث السياسية العالمية، والأزمات الاقتصادية المتلاحقة محلياً وإقليمياً. بات المتتبع للشؤون السياسية والنشرة الأساسية يولي أهمية للفقرة الاقتصادية المشغولة بشكل محترف، وذات المحتوى المكثف والسريع، حيث استخدمت مصطلحات مبسطة غير معقدة، ومأخوذة من عمق الحياة المعيشية للمواطن. وبذلك، ردمت الهوة بينه وبين ما كان ينفر منه: الاقتصاد.
منذ عام 2013، تقوم الصحافية الشابة ليا فياض على قناة lbci، بإعداد وتقديم الفقرة الاقتصادية في النشرة المسائية. الفقرة التي تقدم وقوفاً على طريقة video wall، تمتاز بتقاريرها الميدانية اليومية، إذ تستصرح الناس في بعضها، وأخرى عبارة عن تغطيات صحافية متفرقة. تكسر هذه الفقرة الجمود الذي يعتري مادة الاقتصاد، فتبسّط مفاهيمه مع تمرير المعلومات اللازمة حول الأزمات أو الأحداث المتعلقة بالاقتصاد وحياة المواطنين على حدّ سواء. دقيقتان هما الوقت المخصص لهذه الفقرة. لكن بالتأكيد، الجهد واضح في الإعداد، وتنوع الموضوعات، حتى باتت تستقطب جمهوراً من غير المهتمين بأحوال الاقتصاد. مواضيع حيوية كالسياحة وعدد الزائرين الخليجيين إلى لبنان، أو شرح عن السلع التي طالتها الضرائب، مع تمرير للأرقام بطريقة سلسة وبدون تكلّف. طبعاً، مع كل هذا الجهد في تبسيط المعلومات، وتنويع الموضوعات، الا أنّ هذه الفقرة كغيرها على قنوات أخرى، هي أرض خصبة للإعلانات غير المباشرة، لا سيما تلك الآتية من البنوك. هكذا، تمرر بين الفينة والأخرى تقارير ترويجية كاملة، هدفها ربحي أكثر مما هو مهني.
أما على mtv، التي يتناوب على تقديم الفقرة الاقتصادية كل من موريس متى وجيسي طراد، فالفقرة التي تقدم إما وقوفاً أو جلوساً على طاولة نشرة الأخبار المسائية، ربما تتفوق على غيرها من حيث الدقة والسلاسة في تقديم المعلومة وتكثيفها. لعلّ طراد مديرة قسم الأخبار الاقتصادية في المحطة، تعد من ألمع الصحافيات في هذا المجال... هي الآتية من عالم الصحافة الفنية والمنوعات، لمع نجمها بانتقالها الى mtv عام 2009 بعد «الحرة» (دبي). تتمتع جيسي بكاريزما لافتة وتوحي دائماً بالثقة وبإلمامها بالمادة التي تقدمها. دقائق قليلة على الهواء في متابعتها، ستجعلك تلحظ حتماً كمّ الإحاطة بملفات اقتصادية مشبوكة سياسياً وحتى أممياً. بهذه الدقائق القليلة، تنجح طراد في تقديم أخبار السوق والعملات وتخبرنا عن هبوطها أو صعودها، ضمن سياق سياسي اقتصادي مكثف وسريع، من دون أي شعور بالملل. طبعاً، لا تخلو هذه الفقرة على قناة المرّ، من إيلاء أهمية للأخبار الاقتصادية التي تدخل فيها السياسة بشكل كبير، وتظهيرها بما يتماشى مع سياستها التحريرية، كموضوع العقوبات الاقتصادية على «حزب الله»، أو تظهير موقف «مصرف لبنان»، وباقي المصارف إزاء قضايا متعددة.
إذاً، تغير واضح طرأ على طريقة تقديم وإعداد الفقرة الاقتصادية المتلفزة، شهدناها في lbci وmtv، مع غياب واضح لهذه المساحة على «الجديد»، بعدما كانت تقدم قبل النشرة كما ذكرنا قبلاً، أو على شكل تقارير إخبارية يومية في النشرة الإخبارية، تعدّها أيضاً حلاق. اليوم بتنا نشاهد الأخيرة في تقارير مختلفة عن الاقتصاد، سياسية كانت أم اجتماعية، وغابت أصوات أخبار السلع والعملات وباقي المضامين الاقتصادية.
التجربة التلفزيونية المتقدمة التي كسرت الهوة بين المتابع والاقتصاد، يقابلها جمود وتأطير للفقرة الاقتصادية على باقي القنوات مثل otv. إذ يطل جورج عقل في نشرة الأخبار المسائية على الشاشة البرتقالية، ليسرد مجموعة من الأخبار التقريرية الأقرب الى بيانات وأخبار عادية من مضامين اقتصادية متخصصة. كذلك الأمر بالنسبة إلى «المنار» التي تقدم هذه الفقرة صباحاً ضمن برنامج «يوم جديد» المنّوع، تحت إسم «حديث الأسواق». ستّ دقائق يومية يقدمها كل من زينب حمود وهاشم السيد حسن على طريقة video wall، تتميز بوفرة وتنوع مواضيعها من المحلي الى العالمي والاطلاع على أسعار السلع الأساسية، كما لا تتردد في إذاعة بعض البيانات الصحافية كزميلتها otv، مع افتقادها نوعاً ما للحيوية ولتقريب المتابعين أكثر اليها.