«ولعانة» أراد بيار ربّاط حلقته الأولى من برنامج «منّا وجرّ» الذي انطلق ليلة رأس السنة الجارية. جنّ، وضيوفه في الاستديو، معلنين انطلاقة برنامج «فريد من نوعه» يحكي عن التلفزيون: يكسر الحدود بين المحطات اللبنانية، يمارس النقد البنّاء، يرفع مستوى التلفزيون، يوقف البرامج «المبهدلة»، يثقّف المشاهد.بقي ربّاط يكرّر كلمته السحرية، «ولعانة»، وأهداف برنامجه، على مدى حلقات الموسم، التي شهدت صعوداً وهبوطاً، ليصل إلى حلقة أخيرة باهتة مساء الخميس الفائت، وإلى مشهد إعلامي تنصب فيه الشاشات المتاريس لبعضها، تخلط بين النقد والشتم، تحوّل البرنامج المقبول إلى «مبهدل»، وبالتالي... لا تقدّم أي مادة ثقافية للمشاهد.
طبعاً لا يتحمّل «منّا وجرّ» وحده مسؤولية النتيجة التي وصلنا إليها، خصوصاً أن حال البرامج لم يكن أفضل قبلاً. وهو لن يعترف بها، بما أنه يعدّ نفسه مسؤولاً عن إيقاف بعض البرامج، سواء كانت تلك التي تعرّض لها بالنقد، أو التي استضاف نجومها.
البرنامج الذي انطلق بقوة، تميّز بإعداد جيّد، وقدّم فقرات ناجحة أبرزها «تفنيص ع الرصيف» و«رادار». الأوّل يمارس نقداً غير مباشر لأداء المراسلين التلفزيونيين، والثاني يرصد بذكاء بعض هفوات التلفزيون. فشكلت هاتان الفقرتان نقطة قوته، معوّضتين عن أداء المعلّقين داخل الاستديو، حيث كان الوعد بتثقيف المشاهدين وبسقف عال لن ينجو منه أحد، لنصل مع الحلقة الأخيرة إلى مشاهدة انتقادات لحفلة «الموركس دور» (كرّرت انتقادات البرنامج الزميل على الشاشة نفسها «هيدا حكي»)، وتغطية «تلفزيون لبنان» (الذي تطلق عليه المعلّقة انغريد بوّاب اسم TL1) للانتخابات البلدية في الشمال. كما عمد البرنامج في الحلقة ما قبل الأخيرة إلى إقفال حساباته مع كلّ من رندة سركيس، ونسرين الظواهرة. فاستُقبلت الأولى في استديو البرنامج في أجواء احتفالية، في حين حصلت الثانية على شهادة في حسن طرح الأسئلة، بعدما كانت قد انتُقدت لأنها لا تجيد طرحها، ولأنها تُضمّنها «إيحاءات جنسية». وقبل ذلك، أقفل البرنامج حسابه مع أرزة الشدياق، باستقبالها في الاستديو، بعدما كانت قد تعرّضت إلى «نقد قاس» مضمونه أنها «مش مهضومة، وجبلتها تقيلة، وحاطة تلفزيون ع عيونها».
هذه الانتقادات هي غيض من فيض القاموس الذي استخدمه المعلّقون القادمون في غالبيتهم من عالم التلفزيون. هكذا زادت ثقافة المشاهدين بتعلّم مفردات نقدية استثنائية في «نوعيتها»: مألعط، مجوي، مش معروف إذا مرا أو رجال، هيدا أوطى شي ممكن، أضرب من هيك، نحن ما بيلبقلنا نقلّد الغرب، ما عندا مراية، فيها تسكت، نسخة تايوانية،...
قدّم البرنامج قاموساً نوعياً للمفردات التي يمكن استخدامها في النقد

كلّ ما ورد أعلاه، مسجّل، خضع للمونتاج، ثم مرّ على الشاشة. أي أن البرنامج يتبناه حرفياً، بل يمكن الافتراض أنه كان مدوّناً في «السكريبت» وقرأ كما هو. حتى أن الفنان، غسان الرحباني، أكدّ ذلك في الحلقة الأخيرة حين قال: «أنا مخضرم تلفزيونياً، ولا أدع كلمة تمرّ من دون أن أقصدها». وهو الذي استخدم عبارة «قرارات نسوان» لوصف قرار «الجديد» إيقاف برنامج «شي أن أن».
والطريف أن المعلّقين (الذين تغيّروا مراراً من دون أن نعرف لماذا) ناقشوا القرار، وإطلالة مقدّمه سلام الزعتري عبر برنامجهم، فلم يجد خمسة منهم (من أصل ستة) فيها ما ينتقدونه. لا ما قاله عن المؤسسة التي يعمل فيها وعن أصحابها، ولا عن فقرة «طزكار» التي أعاد فيها التذكير بفيديو شخصي مسيء لإعلامية لبنانية. وهذا مثال واضح عن المعايير التي يستند إليها المعلّقون في كلامهم. أن يكون الزعتري «موهوباً» فهذا عذر كاف له، وعلى «النسوان» أن يتقبّلن الإساءة وإلا كنّ مثل «بائع الجلاب على الرصيف». وأن يكون الهدف هو «الإضحاك»، فهذا أمر يتيح للزعتري إعادة التشهير بشخص من دون أي مراعاة لوضعه الاجتماعي. يمرّر «البرنامج التلفزيوني النقدي الأول في لبنان» هذا الشيء، ويضحك «النقاد»... في انتظار «الرايتينغ».
والأخير أيضاً معيار. هذا ما تعلّمناه منذ الحلقة الأولى في البرنامج الذي قال إنه سيتناول البرامج التي تحظى بأعلى نسبة مشاهدة، «وغيرها أيضاً، بما أن البرامج الخمسة الأولى تبث كلّها على شاشة أم تي في». هكذا، شاهدنا برامج «أن بي أن» الصباحية، وكوميديا «تلفزيون لبنان»... ولم نقع على برنامج «أوّل» على المحطات الأخرى. أما برامج «أم تي في» فقد غابت تدريجياً عن النقد... وباتت تحلّ دورياً للترويج لها. ففي الحلقة الأخيرة، سأل ربّاط زملاءه عمّن شاهد الحلقة الأخيرة من «عاطل عن الحرية» وكانت إجابة خمسة معلّقين سلبية، فيما قال اثنان إنهما يشاهدانه أحياناً. وعلى الرغم من ذلك، وُصف البرنامج، من قبل انطوان كاسابيان، بالرائع.
فهل نفهم إذاً أن البرنامج الرائع ليس بالضرورة الأكثر مشاهدة. أم علينا أن نصدّق ما قيل لنا طيلة الحلقات السابقة: «الرايتينغ هو الأهم». هذه كانت حصيلة مناقشة حلقة من برنامج «اسألوا مرتي» الذي يعرض على «أم تي في» أيضاً. يتعرّض مقدّمه لحادث بسيط، فيصبح هو الحدث، ويجري تجاهل المشاركين في اللعبة. وبعد نقاش عما إذا كان هذا الأمر جائزاً تلفزيونياً، يقرّر كاسابيان أنّه «صار مع المقدّم حادث، فرجيناه للجمهور، حصلنا على مشاهدة، ومش غلط... ما يهمّني هو الجمهور».
بناء عليه، ما هي المعايير التي علّمنا إياها العاملون في التلفزيون لممارسة النقد؟ وعلى أي أساس خرجنا من البرنامج ونحن نحفظ، مثلاً، أن تمام بليق «جيّد»؟ وأن زافين قيومجيان، الذي يعمل في «تلفزيون غير محضور»، مدعو إلى أن يكون واحداً من المعلّقين المحيطين ببيار ربّاط؟ وأنه يمكن المخرج باسم كريستو أن يستعين بتصفيق جمهور «منّا وجرّ» ليستخدمه في مونتاج «الموروكس دور» العام المقبل؟
هذا أيضاً غيض من فيض تعليقات البرنامج «البناءة»، الذي هاجمه البعض، محارباً «النوعية بالمهزلة، والعلم بالجهل والثقافة بالانحطاط» كما يقول رباط، بأسف، في الحلقة الأخيرة. أسف لا يمكن تصديقه، إلا إذا أرادنا معدّو البرنامج أن نصدّق أنهم كانوا يتوقعون حفاوة ببرنامج نقدي، وهم يعرفون طبعاً أن النقد لم يكن يوماً مادة مقبولة من أحد، ولطالما صنع عداوات وتسبّب بمشاكل. فكيف إذا كانت غالبيته بالمستوى الذي عرضناه أعلاه: فوقياً وعدائياً، ولا يستند إلى معايير مهنية وأخلاقية واضحة؟ حتى طغى على كلّ إيجابية تسجّل للبرنامج.
قد يكون الأمر الوحيد الذي يمكن تصديقه، هو ما تعلّمنا منذ الصغر أن لا نصدّقه: الإعلان. إذ انطلق البرنامج بإعلان ترويجي قوامه سيدة، تنشر الغسيل.



«سينيال» الـ mtv


يتعرّض سيريل هنونة (مقدّم «لا تلمس منصبي: TPMP»، النسخة الفرنسية الأصلية) إلى الكثير من الانتقادات في فرنسا، ويحظى أيضاً ببعض الإشادات... منها اتقانه للغة الفرنسية. وقد تلقى هذه الإشادة في يوم اللغة الفرنسية الذي دعا فيه «المجلس الأعلى للمرئي والمسموع» إلى احترام اللغة الفرنسية في البرامج التلفزيونية، وعدم خلطها بكلمات انكليزية، أو ارتكاب أخطاء فيها.
لكن يبدو أن الأمر اختلط على منتجي «منّا وجرّ». إذ كان الحرص واضحاً على حضور اللغتين الأجنبيتين بقوة في البرنامج. فهما لا تترددان من خلال كلمات مفاتيح فحسب، وإنما عبارات، وفقرات كاملة أحياناً، من دون أي ترجمة للمشاهدين، في حين يسخر البرنامج نفسه من مرور دقيقة ونصف بلا ترجمة على شاشة «أن بي أن»: «كانوا يعرضونها من أجل الجالية المكسيكية المقيمة في لبنان» تعلّق منى صليبا.
وحفاظاً على هاتين اللغتين، أعدّ البرنامج فقرة خاصة لمراقبة كيفية نطق من يطلّون على بقية الشاشات للكلمات الأجنبية، وصمّم الـ«سينيال» الخاص به لمعاقبة من ينطق الكلمات بخلاف ما يراه هو نطقاً سليماً لها.
لكن بغضّ النظر عن نوايا معدّي هذه الفقرة، التي تنسجم مع الهوية التي رسمتها «أم تي في» لنفسها، تبقى الإيجابية الوحيدة لها، أنها قد تدفع الإعلاميين إلى الكفّ عن استخدام كلمات أجنبية في جملهم، مسيئين بالدرجة الأولى إلى لغتهم الأم.