كان منطقياً أن تنهمر الفوضى على ميدان الصناعة الوطنية الأبرز في سوريا، وأن يختلط الحابل بالنابل فيما يخص مهنة الدراما، خصوصاً بعدما صار أمام السلطة أولويات أخرى، وغضّت البصر عن سيل جارف من أعمال «النص كم» واستباحة المهنة من دخلاء على الفن التفلزيوني. بل إنّ وزارة الإعلام السورية شجّعت بطريقة غير مباشرة هذه الاستباحة كونها تشتري جميع المنتجات السورية التي تصوّر داخل البلاد. هكذا، درجت موضة «المنتوج الصيني» كما يسميها نجوم الشام، على اعتبار أنّ هناك متسلّقين ينجزون أعمالاً بميزانيات ضحلة لا تتجاوز أربعة ملايين ليرة سورية (ما يعادل حوالى 6500 دولار أميركي فقط)، وتباع إلى التلفزيون السوري بضعف هذا الرقم، فيما لا يشاهدها سوى قسم من الفريق الذي عمل فيها، وبعض موظفي التلفزيون السوري، وربما وزير الإعلام عمران الزعبي إذا سمح وقته! أم أنّها تبقى حبيسة الأشرطة لحين تقديمها هدية لمحطة عربية مقابل شراء هذه المحطة مسلسلات أخرى من الشركة ذاتها. وفقاً لما سبق، سنشاهد خلال رمضان أعمالاً بدون جمهور لـ «شقيعة»، حسب التعبير الدارج في أسواق دمشق العريقة عن «الصنايعية» الذين لا يتقنون المهنة مهما مرّ وقت على مزاولتهم لها بسبب افتقادهم لأدنى حدود الموهبة. لعل ينطبق على ما سبق مسلسل «الخان» (تأليف مروان قاووق، وإخراج فني الشاريو والكرين سالم سويد. بطولة غادة بشور، وأندريه سكاف، وليث المفتي..) الذي فشل القائمون عليه في تسويقه.ينطبق هذا الكلام أيضاً على مسلسل «خماسيّات الخطايا» (تأليف سعيد حناوي، وإخراج طارق سوّاح وإنتاج «الأحمر غروب»، من بطولة روعة ياسين، ورنا شميّس، وليث المفتي، ورنا أبيض..) الذي أنجز العام الماضي، ولم يلق فسحة للتسويق. يتسلّق العمل على سلّم الخيانة الجنسية والأكشن الرخيص الذي يميّزه ماكياج ساذج ومشاهد مشغولة بطريقة «السلق»، إضافة إلى إعادة اجترار لخطوط شاهدناها في «صرخة روح» مثلاً.
في السياق نفسه، سنكون على موعد مع مسلسلات «كورية» حسب التسمية الساخرة، وهي أفضل حالاً من «الصيني» لكنّها ليست ذات سوية فنية، وقد أنجزت بميزانيات متواضعة، مثل «سليمو وحريمو» (تأليف وإخراج فادي غازي ــ «الجديد»). رغم استدراج عدد من النجوم لمواقع تصوير هذا العمل كعبد المنعم عمايري، وحسام تحسين بيك، وليلى سمّور، وعبير شمس الدين، وغادة بشور، وجمال العلي، وصفاء رقماني... إلا أنّنا سنكون أمام فرضية تقليدية لشاب يجرّب البحث عن شريكة حياته وفقاً لتعليمات الأبراج والفلك، لتولد مفارقات يدّعي القائمون على المسلسل أنّها مضحكة. لكن بالنظر إلى رصيد المخرج، لا يشجع ذلك على متابعة العمل. وفق المنطق نفسه، سنتابع مسلسل «شو القصة» (تأليف زيد الظريف، وإخراج علي ديّوب، وإنتاج شركة «قبنّض»). في هذا العمل رغبة إنتاجية بإنجاز مسلسل بميزانية قليلة، لكنها استعانت بثلاثة أو أربعة ممثلين معروفين حتى تتمكّن من التسويق، من بينهم أيمن رضا، وقاسم ملحو، وأمانة والي...
وفي السياق نفسه، نتعرّف هذا الموسم إلى شركة اسمها «هني مون» (هاني سردار) التي تنتج مسلسلين كوميديين، أحدهما «توب فايف» (تأليف محمد حميرة، ومعالجة درامية أحمد سلامة، وإخراج ريم عبد العزيز ــ المحطات السورية). هو عبارة عن سيت كوم تدور أحداثه حول شركة إنتاج تلفزيوني، ويلعب بطولته ليث مفتي وسمر عبد العزيز. وقد تواتر إلينا نشوب صراع بين أسرة المسلسل والمنتج محمد قبنض لأنّ الشخصية الرئيسة تحيل إليه في مكان ما، فهو رجل الأعمال الحلبي البريطاني الذي تحوّل بطرفة عين من متعهّد مقاولات إلى منتج درامي. أما العمل الثاني، فهو «نحن لها» (تأليف محمد حميرة وقصي لوباني، وإخراج سالم سويد، بطولة مازن عبّاس، وتولاي هارون، ومحمد خير الجرّاح، ومحمد خاوندي) الذي تدور أحداثه حول مجموعة من العاملين في مكتب تحقيقات خاص يكشف جرائم تقع بشكل طريف. ويتمكن المحققون من حلّها بالمصادفة عن طريق عدد من المفارقات الكوميدية.
إلى جانب تلك الأعمال، سيُعرض «مذنبون أبرياء» (تأليف عبد المجيد العنزي، سيناريو وحوار باسل خليل، إخراج أحمد السويداني ــ «الجديد»). هو محاولة كاريكاتورية لإنجاز مسلسل أكشن، لكن النتيجة المبدئية ظهرت غاية في الهزل والابتذال وفق البرمو وبعض المشاهد المسرّبة. يصنّف العمل نفسه على أنّه «بوليسي» قوامه خمس سداسيات متصلة منفصلة تعالج قضايا المخدرات، وهو من بطولة: بسام كوسا، وكندة حنا، ورنا الأبيض، ومحمد قنوع.
على جانب آخر، نتابع تركيبة غريبة لخماسيات «صرخة روح4» (تأليف ناديا الأحمر وعثمان جحى وأسامة كوكش، وإخراج وائل أبو شعر وكنان صيدناوي وسمير حسين). بعدما قرّرت شركة «غولدن لاين» إنجاز جزء جديد من مسلسل «صرخة روح» وأتمّت في وقت مبكر ثلاث خماسيات بالمنطق المعروف نفسه عن هذا المسلسل، عادت لتحيد قليلاً عن خطتها بعد اتفاقها مع قناة mtv على بيعها مسلسلين هما «خاتون» (تأليف طلال مارديني، وإخراج تامر اسحق) و«صرخة روح 4»، على أن يصبح نسخة معدلة اسمها «وجع الصمت» وتستكمل الخماسيات الثلاث التي أنجزتها بخماسيات اجتماعية من بطولة ممثلين لبنانيين على رأسهم المذيعة السابقة في «قناة المرّ» ستفاني صليبا بناء على طلب المحطة.
سمعنا أيضاً عن مسلسلات لم نتمكّن من معرفة كتّابها ولا حتى ممثليها. مثلاً، أنتجت شركة اسمها «الأصايل» مسلسلين أحدهما لم تسمّه أخرجه كمال ديريكي، والثاني اسمه «الخيانة» من إخراج شفيق محسن. وأنتج شخص اسمه فراس اسماعيل مسلسل عنوانه «جيران القمر» (إخراج محمود خزعل)، إضافة إلى «بث تجريبي» (إخراج غزوان قهوجي). قد يكون التعليق الأنسب هنا هو طرح سؤال ساخر: «من أنتم بحق السماء؟!».