أنذر الشيخ محمد سعيد البوطي بـ «زمجرة ربانية عاتية» إذا استمرّ عرض «ما ملكت أيمانكم». ولم يتأخر مخرج المسلسل المثير للجدل في الردّ، مؤكداً أن الفتوى تستهدفه شخصياً بمعزل عن مضمون العمل
وسام كنعان
«لست متنبئاً بغيب، ولست من المتكهنين بأحداث المستقبل. ولكني أحمل إليكم النذير الذي رأته عيني، إنها غضبة إلهية عارمة، تسدّ بسوادها الأفق، هابطة من السماء وليست من تصرفات الخلائق (...) إنها زمجرة ربانية عاتية تكمن وراء مسلسل السخرية بالله وبدين الله، الفيّاض بالهزء من المتدينين من عباد الله، إنه المسلسل الذي أبى المسؤول عنه إلا أن يبالغ في سخريته بالله وبدينه، فيقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه ويسمّيه ساخراً: «ما ملكت أيمانكم»».
ما سبق كلام لم نقرأه ضمن تعليقات بعض الأصوليين على مواقع إلكترونية ضد مسلسل نجدة أنزور. الكلام هذه المرة لمحمد سعيد رمضان البوطي أستاذ العلوم الإسلامية في «جامعة دمشق»، وأكثر رجال الدين السوريين شهرة وحضوراً. كلامه ذاك تضمّنته رسالة وجهها إلى المحطات الفضائية محذراً من مغبة «الوقوع في الشرك»، من خلال عرض «ما ملكت أيمانكم» الذي كتبت نصه هالة دياب. ليس هذا كل ما جاء في الرسالة، بل أضاف البوطي «إن سوريا قد تبرأت إلى الله من المسلسل المذكور ومن الاعتراف به، ومن بثه».
أعلن أنزور أنّ الخط الديني في مسلسله هو جزء بسيط من مذكرات أحد المجاهدين
بعيداً عن الخوض في تفاصيل الهجوم على المسلسل السوري وأسبابه، يبدو أن صاحب «السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهباً إسلامياً» تلقّى وعوداً قاطعة بمنع عرض المسلسل على المحطات السورية، فصرّح بثقة عن تبرؤ سوريا من العمل!
لكن العكس هو الذي حصل. إذ لا تزال «الفضائية السورية» تبث المسلسل عند التاسعة من كل مساء، أي في وقت الذروة. وفي السياق ذاته، علمت «الأخبار» من مصدر موثوق أنّ مسؤولاً رفيع المستوى أخذ على عاتقه قرار منع عرض العمل نزولاً عند رغبة البوطي. لكن جهات عليا تدخلت وأعلمت إدارة «التلفزيون السوري» بضرورة عرض العمل وفي توقيت مميّز.
وبمجرد الاطلاع على الغضب الذي تحمله كلمات الشيخ، تخطر في بال المتابع أسئلة بديهية عن السبب الذي دفع صاحب الرسالة التبشيرية إلى إصدار فتواه، وكيفية تنبّئه بالغضب الرباني بسبب مسلسل تلفزيوني! ولم يتأخّر البوطي في الإجابة عن هذه الأسئلة بل قال في حوار صحافي: «كل ما أملك أن أقوله أن الذي رأيته كان بين يقظة ونوم (...) رأيت وباءً نازلاً من السماء بمظهر مادي مرعب، ذي بقع سرطانية حمراء تبعث على التقزز والاشمئزاز، ومع هبوطه السريع نحو الأرض أخذت تنفصل منه حيوانات كثيفة وكثيرة طائرة».
ربما كان جديراً بصاحب كتاب «الجهاد في الإسلام» من موقعه كرجل دين يُشهد له بالتنوُّر أن يكمل متابعة المسلسل حتى نهايته، ويركّز على النقاط السلبية التي يعتبرها سلبية فيه. كما من حقّه الإشارة إلى مواقع الخلل في العمل من وجهة نظره الإسلامية، من دون الانجرار إلى سلوك المنع والدعوة إلى إلغاء الآخر وما يحمله ذلك من وجهات نظر.
في المقابل، لم يتخذ نجدة أنزور موقف المتفرّج، ولم يستهن بالأمر كما فعل في مواجهة حملات الإنترنت التي سبقت عرض المسلسل، بل سارع هذه المرة إلى إصدار بيان مطوّل تلقت «الأخبار» نسخة منه. وفي البيان، بدت لغة الخطابات العاطفية مسيطرة على رغم أنّ أنزور رد بإسهاب على رسالة البوطي محاججاً إياه بقوله: «لا توجد آية صريحة أو حديث نبوي تمنع استخدام مفردة أو جملة وردت في القرآن كعنوان لكتاب أو مؤلف ما». وتساءل «ماذا لو سميت أحد مسلسلاتي «التين والزيتون» أو «طور سينين» أو «سبأ»؟». واعتبر المخرج السوري في بيانه أنّ هناك استهدافاً شخصياً له. فيما لم يفوّت الفرصة ليظهر اعتزازه بثقافته وبيئته الإسلامية، مذكّراً بأن أمه وقريباته محجبات. وذكّر أيضاً بما قدمه في أعماله السابقة من تقدير لدين الإسلام، وخصوصاً مسلسل «سقف العالم». لكن أنزور عاد ليوضح أنّه في «ما ملكت أيمانكم»، يحاول تسليط الضوء على «الإسلام بألوان لوحته كلّها». وأضاف: «إننا أمام حركات إسلامية جهادية، ودعوية، وصوفية، تختلف أحياناً وتتناحر في ما بينها». وكان أهم ما جاء في رد أنزور كشفه أنّ الخط الديني في مسلسله هو جزء بسيط من مذكرات أحد المجاهدين، وهي موثقة توثيقاً كاملاً لكنّ المسلسل تغاضى «عن سلوكيات كثيرة فيها لقسوتها» وذلك وفق ما جاء في البيان.
وبعيداً عن هذا الجدال، لا بدّ من الإشارة إلى جرأة المسلسل ودخوله مواقع لم تطأها الدراما السورية من قبل. إذ إنّه يكشف جانباً حقيقياً وموجوداً في المجتمع السوري ومنه القبيسيات (جماعة دينية نسائية تحمل أفكار الطريقة النقشبندية)، إضافة إلى طرح نماذج من الأشخاص الذين ينصبِّون أنفسهم قوامين على البشر، من دون أن يفكروا للحظة واحدة في محاسبة أنفسهم. وتلك نماذج بدأت تتزايد تزايداً لافتاً في المجتمع السوري.


ترويج وتعليقات

انتشر نص الرسالة التي وجهها محمد سعيد البوطي بسرعة على المواقع الإلكترونية التي عادت لتنشر بيان الرد الذي أرسله نجدة أنزور. هكذا، بدا أن هذا السجال حول «ما ملكت أيمانكم» كان أفضل من كل الحملات الدعائية. وقد حظي نشر هذه البيانات على الإنترنت بأعداد هائلة من تعليقات الزوار الذين ناصر أغلبهم المسلسل. وطالب بعضهم البوطي بالابتعاد عن تحديد خيارات المشاهدين. بينما سارع معلقون آخرون إلى نصرة «الشيخ الجليل»، بل ذهب أحدهم أبعد من ذلك حين حذّر من الإساءة للبوطي كونه «آخر أولياء الشام المباركين». وقد أعلن صاحب هذا التعليق توبته عن مشاهدة كل أعمال أنزور.