منذ 2005، شهدت تجربة التشكيلي السعودي المولود في البحرين فيصل سمرة (1956) تحولاً في الشكل والبنية الداخلية وطرق استخدام الأدوات والوسائل وتوظيفها. معرضه «واقع محرّف» كان منطلقاً لخلق ظرف بصري افتراضي يسير في موازاة الحياة اليومية ويشتبك معها ليخلق تأثيرات قوية ومباشرة عند المتلقي. علاقة سمرة مع توظيف اليومي والمألوف أرضيةً لطرح فرضيات كبرى ليس أمراً جديداً.
العودة إلى تجاربه منذ الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات تضعنا أمام تجارب باحتمالات مفتوحة. لكن منذ تلك الفترة المخبرية في مشروعه، كان اشتغاله واضحاً على خلق بنية بصرية غنية وثرية بأقل وسائل ممكنة. هذا الهاجس أنجز من خلاله مجموعة مؤثرة حملت عنوان «جسد آخر» عام 1997.
المعاصرة في المشروع البصري لهذا الفنّان السعودي، لا ترتبط فقط بالزمن بمعناه التقليدي. تلك التفاصيل البسيطة تضع المألوف والمتعارف عليه في حياتنا أمام الاختبارات، وبمواجهة مصائر مغايرة لما هو متوقع. هذه النزعة الاختبارية التي تلازم أعمال سمرة، تنطلق من ميل إلى التعرية والمساءلة، ليس فقط في علاقة المادة بظرفها الجديد، بل أيضاً محاولة النفاذ إلى قناعات جمعية ستبدو هزيلة عند كشفها أمام عالم متسارع، لديه ما يكفي من القوة والتأثيرات المرهقة والمربكة.
ترتكز تجربة فيصل سمرة على خطوط بحثية متداخلة، فيما تقدم تحفيزات نحو وعي بيئي، كما في «النار الأخيرة» الذي عرض عام 2002، نجدها أيضاً تمرّر تحفيزات أخرى حول مفاهيم ملحّة في واقعنا الراهن مثل: الهوية والمعتقد والكراهية. تجارب تعاين مقومات المجتمع العربي وقدرته على التعايش مع ما يفرزه العالم من أفكار. في لحظة ما، سيبدو الوقع العربي رهيناً لتحليلات جاهزة ينتجها العالم ويتعامل معها على أنّها حقائق. هذه النظرة التي لا تخلو من عنف، تخلق في مواجهتها واقعاً عنيفاً وصدامياً أيضاً.
العمل الذي أنجزه سمرة عام 2008 بعنوان «اللحم العربي» (صور ديجيتال) يخلق ظرفاً بصرياً عنيفاً عبر امرأة منقبة تحمل ذبيحة من المسلخ كتب عليها «اللحم العربي». ينطلق هذا العمل من نمطية إعلامية رائجة، لكنّه يؤسس لجدل حول بنية مجتمعية تفرز إشارات وصوراً ملتبسة قابلة للتحريف والتشويه. يمكن هذا العمل أن يكون نواة لقراءة في مفهوم الصورة والصورة المضادة بعد ربطه بعمل آخر بعنوان «اللحم الغربي» (صور ديجيتال) الذي عُرض أخيراً في غاليري «ترافيك» في دبي.
سمرة الذي اختار لمعرضه الجديد عنوان «مقاومة» يبدو اليوم أكثر ميلاً للمواجهة. أعماله أخذت بُعداً صدامياً مع واقع قسري لديه، ما يكفي من القوة والإمكانات لوضع الإنسان أمام التحديات الوجودية المعقدة. بين الرسم والتركيب والفيديو آرت، تتحرك مدارات هذه الأعمال التي تعود إلى فترات زمنية متفاوتة. لكنّها تتآلف عبر علاقة عضوية لخلق تأثير واستفزاز قوي عند المتلقّي. المواجهة في هذه التجارب سلسلة متصلة من ردود فعل لا تضعنا أمام نهاية محددة. في «النجاة 2»، يؤسس سمرة لحالة بصرية أدائية في فضاء بارد ومظلم. سرير معدني ذو شراشف بيضاء، يُسقط عليه فيلماً قصيراً لامرأة تغالب مواجع أو حالة كابوسية غير مبررة للمتلقي. ما تعانيه الشخصية هنا لا يولّد تعاطفاً بقدر ما يخلق حالة من الاستفزاز المباشر، والفضول... وحتى النفور من ضيق يفرضه الفضاء المحيط الذي يشبه فجوة سرعان ما ستجد نفسك منزلقاً إليها.
لا تبدو التجربة مجرد فكرة جميلة بقدر ما هي فرضية يدعمها بشرح نقدي وصور فوتوغرافية وفضاءات مدروسة تأخذ في الحسبان اللون وعلاقة الشكل بمحيطه. القيمة البحثية في تجارب هذا الفنان تأتي من ميله الدائم إلى الاستفادة من الواقع واستخدام معطياته بطرق ملهمة.
يبدو العالم من وجهة نظر سمرة قائماً على طبقات من العنف البصري. ثمة قسرية تفرض على الناس، ومحاولات لسلخهم من واقعها، ووضعها في عوالم افتراضية. الذاكرة الجديدة كما يراها سمرة تحولت إلى مخزون افتراضي للكثير من الوقائع والأحداث المحرّفة. وهذه بدورها تخلق بالضرورة ذهنية محرفة، غير قادرة على التعايش والتصالح مع الواقع الحقيقي.