لم تحمل خلطة وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي سوى مزيد من الخيبة. قانون السينما الجديد، يثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن مستقبل الفنّ السابع في بلد مرزاق علواش وطارق تقيّة ورشيد بوشارب. بدلاً من أن يلتفت منظّرو المشروع إلى القضايا الرّاهنة التي تعيق تطور القطاع، راحوا يتسابقون على منح السّلطة السياسية مزيداً من الشرعية لبسط يدها على حريّة الإبداع.
ما زال القائمون على السّينما في الجزائر، يعيشون في قوقعة الحنين إلى الماضي، ويتغنّون بـ «السّعفة الذهبية» التي نالها لخضر حامينا صاحب «وقائع سنوات الجمر» (1975)، ونجاحات عقدي الستينيات والسبعينيات، مثل «معركة الجزائر» (جيلو بونتيكورفو، 1966) و«الأفيون والعصا» (أحمد راشدي، 1969) رافضين الإقرار بالحقائق المرّة، مثل افتقار البلد إلى مختبرات تحميض وصالات مونتاج تليق بالصناعة السينمائيّة اليوم. كلّ الأفلام الجزائريّة يجري تركيبها في الخارج، بما في ذلك الأفلام التاريخية التي تدافع عن سيادة الوطن، وتدين الإمبريالية الأوروبية، كما حصل مع فيلم «مصطفى بن بولعيد» (2008) لأحمد راشدي. هذا إضافةً إلى تراجع عدد القاعات الصالحة للعرض سنةً تلو أخرى...
تفيد أحدث الإحصائيات الرسمية أنّه لا يتوافر سوى 15صالة صالحة للعرض في الجزائر، بعدما كانت تتجاوز 400 غداة الاستقلال (1962). كما أنّ جزءاً مهماً منها حاد عن ماهيته وتحوّل إلى ملكيات خاصة ومقارّ لتنظيمات سياسية استفادت منها في خضم «الفوضى» ثم «الحرب الأهلية» التي شهدها البلد نهاية الثمانينيات وعقد التسعينيات. والمعروف أنّ الكثير من الأحزاب استغلت الأوضاع السياسية المضطربة لتحويل عدد من المنشآت الثقافية المهمّة لخدمة أغراض إيديولوجية، كما فعل حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» (أحد أحزاب الأغلبية) الذي حوّل إحدى أكبر مكتبات الجزائر العاصمة إلى مقرّ مركزي في منتصف التسعينيات. ولم يقترح قانون السينما الجديد مواد واضحة، وآليات فعّالة من شأنها السّماح للوزارة الوصية باستعادة القاعات. لقد ركّز جلّ اهتمامه على التّقليل من قيمة السّينمائيين والحدّ من حرية الفن، من خلال المادة الـ5 التي تلزم المنتجين الحصول على موافقة الحكومة قبل إنجاز أفلام عن الثورة ورموزها التحريرية. مادة أثارت الكثير من اللّغط، وعُدّت مساساً صريحاً بالحريات الفردية. وبينما تفرض المادة الـ20 على صالات العرض الخضوع لدفتر شروط، فإن المادّة الـ19 تمنع عن المراكز الثقافية الأجنبية عرض أفلام من دون الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة. وتجد الوزارة الوصية في المادة حجة لمنع عرض ما يتنافى مع توجهاتها، كما فعلت مع موزع فيلم «بشر وآلهة» لكزافيه بوفوا. الشريط الذي يتعرض لمسألة اغتيال رهبان تيبحيرين خلال العشريّة الدامية في الجزائر، أثار يومها الكثير من اللغط. كذلك الأمر بالنسبة إلى فيلم «ﺇيستر» (2008) لجوم كولي سيرا، الذي مُنع من العرض بحجة تضمنه «مشاهد إباحية».
يعزّز قانون السّينما الجديد، الذي غيّر مواد القانون السّابق (1967)، من حضور الجهات الرسمية في العمل الفني، ويمنحها شرعية التدخل في الخيارات الفردية، بما يتوافق مع مصالحها الذاتية. ويزداد المشهد سوداويـّة، حين ندرك أن المادة الـ24 مكرّر، تفرض على الشركات العمومية المانحة إعلام الوزارة المعنية بطبيعة العمل وتفاصيله وهوية المستفيد. ويبقى الخاسر الأهم طبعاً، سمعة السينما الجزائرية، العاجزة عن إنتاج ثلاثة أفلام طويلة سنوياً وسط شح مصادر التمويل، واعتمادها على هبات التظاهرات المناسباتية من أجل الخروج من سباتها.
في مناسبة «تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية»، يُنتظر ـــــ بحسب وزيرة الثقافة ـــــ الإفراج عن 60 فيلماً جديداً، مع العلم أنّ عام 2010 لم يشهد إنتاج سوى فيلمين طويلين هما «السّاحة» لدحمان أوزيد و«طاكسيفون» لمحمد سوداني... من أين ستأتي الوزيرة بالأفلام الأخرى؟ ترقّبوا المفاجأة!