الرباط | رغم الداء والأصدقاء المتنكرين، يجابه عبد الجبار الوزير (1928) مصيره بحس دعابة. هكذا يعيش «شيخ المسرح المغربي» اليوم، بعدما اضطر الأطباء لإجراء عملية جراحية لبتر ساقه اليسرى في أحد مستشفيات مدينة مراكش. عملية جاءت للحد من آلام يعانيها منذ أسابيع جراء إصابته بفشل كلوي حاد، وارتفاع في ضغط الدم، والتهاب البروستات، مع ارتفاع السكري، ما أفقده إحدى عينيه.
أخيراً، انتشرت شائعة تعلن وفاة الممثل المغربي، قبل أن تكذّب عائلته والمقربون منه الخبر. الممثل الفكاهي الذي أضحك الملايين من المغاربة رغم تقدم في السن، لا يزال حياً يصارع المرض وحيداً، عارياً من دعم المسؤولين الحكوميين الذين لا يهمهم سوى التقاط صورة للاستهلاك الإعلامي.
إنه الفنان المتميز بمقاييس فريدة باتت شبه معدومة اليوم، لم يبخل مرّة على جمهوره العاشق للدعابة بلكنته المراكشية الطريفة. أما حياته، فتلخص مسار رجل من زمن مغرب الاستقلال، كان مقاوماً في عهد الحماية الفرنسية وأفلتت رقبته من الإعدام بعد انتمائه إلى كتيبة من الفدائيين بقيادة المقاوم المغربي حمان الفطواكي. حياة أشبه بفيلم يعيش خلاله البطل الرئيسي من أجل متعة وحيدة في العالم هي التي تجعله يطير فرحاً كطفل صغير: أن يقف على الركح أو يظهر على التلفزيون بابتسامته الدائمة التي جعلها فلسفته في الحياة فعاشها من أجل الفن.
يستمد عبد الجبار روح النكتة من قصة حياة عجيبة. لقد مر بتجارب مهنية عدة جمع فيها ما لا يجمع. لعب كحارس مرمى في فريق كرة القدم المحلي لمدينة مراكش (الكوكب المراكشي)، كما اشتغل في القوات المساعدة إلى جانب عمله في المسرح. هكذا ستكون بداياته المسرحية في أربعينيات القرن الماضي مع فرقة «الأطلس»، وتحديداً في مسرحية «الفاطمي والضاوية» التي منعتها سلطات الاستعمار الفرنسي لأكثر من ثلاث سنوات قبل منحها الترخيص. قضى أربع سنوات في صفوف «القوات المساعدة المغربية» قبل أن يتفرغ للمسرح والفن بشكل نهائي في بداية الستينيات، ويشكّل مع رفيق دربه الراحل محمد بلقاس من خلال فرقة «الوفاء المراكشية»، ثنائياً يصعب تكراره في تاريخ الخشبة المغربية. شارك الوزير أيضاً في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي خلّدت في الذاكرة الفنية المغربية من قبيل رائعة «الحراز» و«سيدي قدور العلمي» و«الزواج بالحيلة» و«حلاق درب الفقرا» و«دار الورثة» وغيرها من الأعمال التي أهدى فيها الوزير الكثير من اللحظات الجميلة إلى الشعب المغربي.
بعدما أمضى أكثر من ستة عقود في إضحاك المغاربة ببساطته وعفويته، ها هو عبد الجبار الوزير يصارع وحده المرض الذي تكالب عليه في نهاية العمر. رغم كل شيء، لم يمل بعد من مغامرة الحياة، ما زال نبي السعادة مستعداً ليلقي علينا المزيد من النكات، أو هذا ما نأمله على الأقل.