ودّعت تونس فجر الأحد الباحث التونسي الحبيب الجنحاني (1934 ــ 2024) أحد روّاد الدراسات التاريخية بعد حوالي سبعين عاماً أمضاها في البحث والتأليف. كان الجنحاني الذي ولد في منطقة الوطن القبلي، من روّاد الجامعة التونسية جمع في تكوينه بين التكوين التقليدي في الجامع الأعظم (الزيتونة) والدراسة بين فرنسا وألمانيا، وكانت من بين قلّة من الباحثين التونسيين الذين جمعوا بين التكوين التقليدي وحذق اللغات. نال الراحل شهادة التحصيل سنة 1955 من الجامع الأعظم، وسافر إلى باريس لدراسة المكتبات والتوثيق ليلتحق بعدها بـ «جامعة لايبزيغ» (1957 - 1965)، حيث نال الدكتوره في التاريخ سنة 1965 قبل أن يعود إلى تونس متخصصاً في التاريخ الوسيط. وكان الحبيب الجنحاني من مؤسسي قسم التاريخ في الجامعة التونسية ومؤسسي أول نقابة للتعليم العالي، كما تولّى رئاسة تحرير مجلّة «الحياة الثقافية» التي تصدرها وزارة الثقافة.
خلال هذه المسيرة الطويلة، أصدر الحبيب الجنحاني عدداً من الكتب في التاريخ والسيرة الفكرية كما سمّاها، وقد صدرت بعض كتبه في بيروت عن «دار الغرب الإسلامي». وكان أوّل كتبه صدر سنة 1955 لتتوالى أعماله «القيروان عبر عصور ازدهار الحضارة الإسلامية» (1968) و«محمد باش حامبة» (1976) و«من قضايا الفكر» (1976)، و«المغرب الإسلامي» (1978) و«دراسات مغربية في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي» (1980) و«التحول الاقتصادي في مجتمع صدر الإسلام» (1985).
برحيل الحبيب الجنحاني، تطوى صفحة المؤسسين في الجامعة التونسية. صفحة جيل كان شغوفاً بالتأسيس مع إرادة كبيرة في تحصيل اللغات، فالحبيب الجنحاني نموذج نادر في جيله، فهو الوحيد الذي اتّجه إلى ألمانيا وتعلّم لغتها ولم يكتف بالفرنسية على عكس معظم مؤسسي الجامعة التونسية رغم تكوينه التقليدي في جامع الزيتونة.