للبنان تاريخ طويل مع موسيقى الروك ومتفرّعاتها. في فترة ما من القرن الماضي، كان هذا النوع من الموسيقى الأكثر انتشاراً بين أبناء البلد الذي زاره عدد من أشهر الفرق الموسيقية وأضخمها على الإطلاق. لعلّ أفضل مثال على عيار هذه الفرق الثقيل وحبّ اللبنانيّين لها معاً، كان إعلان فرقة «رولينغ ستونز» عن حفلة لها في لبنان عام 1978. يومها، نفدت تذاكرها بعد خمس ساعات فقط، قبل أن تعلن الفرقة إلغاء الحفلة، ما دفع بمحبّيها في لبنان إلى قطع الطرقات بالإطارات المشتعلة احتجاجاً. كذلك، كانت المهرجانات المتعلّقة بهذه الموسيقى تُقام بكثرة، بما فيها «مهرجان الروك اللبناني»، فيما برزت إلى الواجهة في العقد الأخير فرق لبنانية تلعب هذا النوع من الموسيقى أو ما يقرب منه، مثل «مين» و«مشروع ليلى» وThe Kordz و«غسّان رحباني غروب» وغيرها.ولئن استمرّت هذه الفرق، كما الفرق العالمية، في إقامة الحفلات حتّى الأمس القريب، إلّا أنّ الأزمة التي عصفت بالبلد وما تبعها من حجر صحّي وصولاً إلى حرب الإبادة على غزّة والعدوان على الجنوب اللبناني، أثّرت بشكل كبير على هذه الحفلات. أضف إلى ذلك موجة التقوقع والرجعية التي تزداد في البلد، ما أودى بفرق لبنانية ولا سيّما «مشروع ليلى» التي تفكّكت بعدما أوصلت الموسيقى التجريبية اللبنانية إلى العالمية. هكذا، اقتصرت الأنشطة على فرق أجنبية غير مشهورة في المهرجانات الصيفية، وفرق محلّيّة تقيم الحفلات الصغيرة في المقاهي والحانات على ألحان الكبار أو بعض ألحانها، ما أسهم في بثّ الأوكسيجين في عروق هذه الموسيقى محلّياً. لكنّ ذلك لا يعني احتضار هذه الموسيقى، إذ أظهرت الأجيال الشابّة أنّها بالحماسة ذاتها تجاهها، إن لم تكن بحماسة أكبر.
في هذا السياق، يأتي مهرجان Whiplash الذي سيُقام على شاطئ البترون غداً السبت، مذكّراً بمهرجانات الروك في الهواء الطلق في القرن الماضي، أشهرها «وودستوك» (1969). «إنّه المهرجان الوحيد الذي يتضمّن فقط الروك منذ مدّة»، كما تقول لنا الجهة المنظّمة MuseIn Management. يستضيف الحدث ستّة عروض ترواح بين البلوز والروك والهارد روك، من موسيقيّين وفرق لبنانيّين اشتهروا في السنوات الماضية، ولا سيّما في إتقانهم نسخ عروض عالمية بأداء وتقنيّات محترفة، إضافة إلى مؤلّفاتهم الخاصّة. عند الساعة السادسة عصراً، ينطلق المهرجان بعرض من الموسيقي جو بريتزل الذي يقدّم موادّ خاصّة به، تليه فرقة SharkFin Blue التي تقدّم مختارات من البلوز، ثمّ فرقة الهارد روك Blue Pulpit وموسيقاها الخاصّة التي تذكّر بالأعمال الكلاسيكية في هذا «الجنر».

تُظهر Aeterna دعمها العلني للقضية الفلسطينية

أمّا الفرق الثلاثة الأخرى، فهي لبّ الحدث. عند الساعة التاسعة، تطلّ فرقة Brick Floyd، وهي فرقة إحيائية (tribute band) لفرقة «بينك فلويد» الأسطورية، تتألّف من عائلة واحدة من آل أبو جودة واشتهرت عروضها في لبنان في السنوات الماضية. وتعود العائلة ذاتها إلى تقدّم أعمالها الخاصّة تحت اسم Dreaming Madmen، تتّبع فيه نوعاً من الروك يمزج بين الروك التجريبي و«البروغريسيف روك»، مذكّراً بـ«بينك فلويد» وDream Theater وPorcupine Tree. بعد ذلك، تطلّ فرقة Myles Away الإحيائية لفرقة Guns N Roses العالمية، فتقدّم عرضها Paradise City المأخوذ من الأغنية الشهيرة. تختتم المهرجان فرقة Aeterna الإحيائية لفرقة Metallica، أكثر فرقة ميتال شهرةً في التاريخ. وتُظهر Aeterna دعمها العلني للقضية الفلسطينية، وتعمّدت في عروضها الأخيرة ربط كلمات أغنيات Metallica الشهيرة التي قدّمتها، بحرب الإبادة على غزّة، عبر استخدام الشاشة الخلفية، وخصوصاً أنّ عدداً من الأغنيات يتناول موضوع الحرب أساساً، إضافة إلى رفعها العلم الفلسطيني إلى جانب اللبناني. «بريك فلويد» من جهتها قامت بأمر مماثل، عبر استخدام أغنيات «بينك فلويد» ذات الرسائل السياسية للتصويب على مسؤولي العدوّ والداعمين له، وهي أغنيات يشتهر عضو الفرقة البريطانية السابق روجر ووترز بتقديمها في حفلاته والتصويب على مسؤولي الغرب الاستعماري.
تتألّف «بريك فلويد» وDreaming Madmen من الأشقّاء ماثيو (غيتار وغناء) وكريستوفر (غناء وباص وكيبورد) وآندرو (إيقاع) وإليزابيت (درامز)، ووالدهم أورلاندو أبو جودة (درامز)، لكنّ الأخير لن يكون مشاركاً في المهرجان هذه المرّة. في حديث لنا معه، يشير كريس إلى أوجه الشبه بين إحياء أغنيات «بينك فلويد» في مهرجان مماثل، ومشاركة «بينك فلويد» نفسها في مهرجانات مماثلة في القرن الماضي. يخبرنا أنّ الفرقة الإحيائية ستقدّم أغنيات من ألبومَين مختلفَين لـ«بينك فلويد»، إضافة إلى أغنية من ألبوم Ashes of a Diary لفرقتهم الخاصّة الذي صدر عام 2019، «وحقّق انتشاراً واسعاً بما في ذلك في أوروبا». ويضيف أنّ «كوفيد عبث بنيّتنا إصدار ألبوم جديد، وهذا أوّل عرض لـDreaming Madmen منذ أربع سنوات، والأوّل الذي يشارك فيه آندرو وليزي، بعدما اعتادا العزف كجزء من «بريك فلويد» ابتداءً من العام الماضي». وعن فكرة المهرجان، يشير إلى أنّها أتت من «لانا في MuseIn التي تنظّم كلّ حفلات الروك التي نشهدها في الآونة الأخيرة، وكنّا قد تعاونّا معها في العام الماضي عندما عزفنا ألبوم The Wall بأكمله في «ستايشن بيروت»، فوقع اختيارها علينا بما أنّ هدفها إقامة مهرجان روك على الطريقة التقليدية، كما في سبعينيّات القرن الماضي». تجدر الإشارة إلى أنّ الفرقة تملك حانة في مار مخايل تحمل جزءاً من اسمها (Madmen)، وهي باتت الوجهة الأساس للجمهور بعد كلّ حفلة روك تُقام في بيروت، بحيث يُتاح له التعرّف شخصيّاً إلى أعضاء الفرقة مباشرةً بعد تقديمها عرضاً.
يُعدّ الروك تاريخيّاً أحد أكثر أنواع الموسيقى تعبيراً عن رفض الوضع القائم


أمّا فرقة Myles Away الإحيائية لفرقة Guns N Roses فتتألّف من عمر الحاج (غناء) وأحمد عبدالله (غيتار) ومحمد حلواني (غيتار) وعماد دريان (كيبورد) وفراس عبدالله (درامز)، علماً أنّها تُعدّ Guns N Roses واحدة فقط من مصادر إلهام كثيرة لها، لكنّ إعجابها بالفرقة العالمية دفعها إلى إحياء أغانيها، وخصوصاً أنّ عضوها أحمد تأثّر بعازف الغيتار لديها الشهير سلاش. تأسّست Myles Away عام 2017 ودأبت منذ بداية العام الحالي على تقديم حفلات عدّة في لبنان، ويعمل أعضاؤها حاليّاً على أعمال خاصّة.
من جهة أخرى، تتألّف فرقة Aeterna الإحيائية لفرقة Metallica من جاد بدر (غناء) ويوسف سيوفي (غيتار) ورودي سوكونيان (غيتار) وأمجد خدّاج (باص) وأمجد خنسا (درامز). في حديث له معنا، يقول لنا يوسف سيوفي إنّ الفرقة «أنشئت العام الماضي بعد سنوات من نيّتنا أنا ورودي تأسيس فرقة إحيائية لـMetallica، ولا سيّما أنّنا نعشق هذه الأخيرة منذ كنّا في العاشرة ربّما، وأقمنا عرضنا الأوّل في شباط (فبراير) الماضي». ويضيف أنّ «لانا من MuseIn حدّثتنا عن إقامة مهرجان يتضمّن فرقاً عدّة، ووافقنا منذ البداية حتّى قبل إيجاد المكان المناسب»، واعداً بالمفاجآت التي حضّرت لها الجهة المنظّمة بجهد كبير، «وسأكون متفرّجاً مع الجمهور أكثر من مجرّد كوني عازف غيتار، فأنا متحمّس للمهرجان إلى هذا الحدّ». وعن دعم فرقته للقضية الفلسطينية، يحرص سيوفي على طلب نقل قوله كما هو: «أكره إسرائيل أكثر من أيّ شيء آخر في هذا العالم». ويشير إلى أنّ أعضاء الفرقة يشاركونه الرأي، «ومهما حصل لن أقبل بالسلام مع الكيان يوماً، وبالطبع سنظهر موقفنا هذا في عرضنا في البترون».
إذن، هي فرصة لا تفوّت لمحبّي هذا النوع من الموسيقى، ومن مختلف الأجيال، للعودة إلى زمن قيل إنّه لن يتكرّر، أكان بالنسبة إلى هذه الموسيقى والجوّ العام المرافق لها أم بالنسبة إلى لبنان. علّها تكون فاتحة مهرجانات أخرى مماثلة تعيد حيثية الروك إلى سابق عهدها، متحدّيةً الظروف السوداوية التي يُعدّ الروك تاريخيّاً أحد أكثر أنواع الموسيقى تعبيراً عن رفضها.

* Whiplash: غداً السبت – Soult Beach (البترون) – ابتداءً من السادسة عصراً ــــ تُباع البطاقات في جميع فروع «مكتبة أنطوان» وعلى موقعها الإلكتروني – للاستعلام: 03/317388