تنحت الفنانة اللبنانية المقيمة في فنزويلا أليدا طربيه قاماتها البرونزية المعروضة في «معهد ثيربانتيس» (منطقة بيروت الرقمية) حتى 27 حزيران (يونيو) المقبل تحت عنوان «العابر» المستقى من قصيدة للشاعر الإسباني أ‏نطونيو ماتشادو بعنوان «أيّها العابر ليس ثمة درب». ويرد في مطلعها «كل شيء يمضي كلّ شيء يبقى/ لكنّ قدرنا أن نمضي/ نشقّ دروباً/ دروباً فوق الماء (…) أيّها العابر الدرب/ هي آثار خطواتك، ولا شيء آخر/ أيّها العابر ليس ثمة درب/ العبور يصنع الدرب». والفكرة أنّ دربنا في الحياة ترسمها كلّ خطوة من خطواتنا. ‏المنحوتات المنفّذة بالبرونز والريزين تحتلّ مساحتين، خارجية وداخلية، في المركز الثقافي الإسباني في بيروت، ويمثّل عدد منها خطوات الإنسان في هذا العالم، أو هي لشخص جالسٍ على مقعد ويحمل حقيبة مفتوحة، ‏ولأنثى تجسّد الحلم والخفة تحت عنوان «فتاة البالونات» فيما ترمز منحوتة «فتاة القناع» لازدواجية الهوية والأقنعة التي نضعها تباعاً على وجوهنا. وفي المساحة الداخلية نحو عشرين منحوتة بينها «العابر المقنّع»، فتيمات المعرض تدور حول الهوية والزمن والحرية والوضع البشريّ. تسعى طربيه إلى تجسيد حالات وجودية يعانيها «كامينانتي» (العابر) محاولةً إزالة الأقنعة عن الوجوه وتنبيه الإنسان المعاصر إلى خطورة العيش الكاذب والمقنّع، في ظلّ التطوّر التكنولوجيّ الذي يهدّد بهلاك الفرد والمجتمعات. تدعو الفنانة بمنحوتاتها إلى تصالح الإنسان بصدق وطبيعية مع ذاته والتخفّف من أثقاله وبلوغ حريته. حياتنا نحن نصنعها، كذلك مستقبل الإنسان وأرضه المهدّدة.
‏معرض طربيه يشبه شريطاً متحرّكاً مؤلّفاً من مراحل الحياة، لذا ‏ أدخلت بعض مقاطع الفيديو لكي تجمع الجمود إلى الحركة وتوحي بالمسار المتحرّك. هي نفسها تختبر بمواسم الهجرة العديدة التي عاشتها مفهوم الحركة والمسار الذي ترسمه الخطوات، فهي المولودة في لبنان عام 1958 انتقلت فتيّةً إلى فنزويلا حيث أغنت حياتها بتجارب واختصاصات متفرّقة كالقانون وأخلاقيات علم الأحياء والفلسفة، قبل أن تعثر على شغفها في النحت وتدرسه في «متحف الفن المعاصر» في كاراكاس لتتمكن من تقنيات هذا الفن ومواده وقدراته التعبيرية، ولتعالج بواسطته هواجسها العميقة المتعلقة بالهوية والحرية وأخطار التكنولوجيا والتدمير البيئي. وتؤوب اليوم مع منحوتاتها القديمة والحديثة إلى وطنها الأمّ الذي لم يفارقها الحنين إليه بحسب تعبيرها، والعودة هي خطوة من خطوات العبور الذي اشتغلت عليه نحتاً ويشكّل الدرب والمسار.
تولّت ألكسندرا كرم الجانب البصريّ للمعرض فصمّمت له عرضاً إسقاطياً (projection) تجريديّاً على المنحوتات لإسباغ شكل حداثيّ على المعرض ودلالاته، ولتعزيز تيماته عبر دمج القامات المنحوتة الساكنة بالصورة، أي مزج الجامد بالمتحرّك، ولمزيد من التأثير في زوّار مساحة العرض الداخلية بعد العبور إليها من مساحة خارجية زرعت فيها التماثيل الطويلة التي نرافق خطواتها بخطواتنا في الدرب التي يتشكّل معناها خطوةً خطوة، على ما رمت إليه طربيه المتفرّدة في مواضيعها بلغة ذات تأثيرات متفرّقة تبدأ بجياكوميتي ولا تنتهي بالياباني المعاصر نوغوشي ناحت الأجساد في حركة.

* «العابر»: حتى 27 حزيران (يونيو) ــ «معهد ثيربانتيس» (منطقة بيروت الرقمية)