الأب مارون عطالله السيد هاني فحص ما غاب
إنّه باق بيننا
بهديه، بالامس، أطلقنا حملة معاً نعيد البناء
وبحدبه، اليوم، نكمل الدرب قبل ان يدخل السيّد المستشفى بشهرين وجّه دعوة الى الاجانب والعرب ليرافقوا اللبنانيين في مسيرة حجّ وفي وقفة خلوات وفي حوار وتقابل في وعي للآخر ووعي للذات. ووعي الذات شرط لوعي الآخر.
فلبّى الاجانب والعرب واللّبنانيون الدعوة وكان قد سبقهم السيّد ودخل المستشفى. ودخلوا هم في مسيرة الحجّ في لبنان أرض العيش المشترك والضيافة.

جال الجميع في لبنان: في العاصمة والساحل والشوف ووادي التيّم وجبل حرمون وكنيسة العاميّة في انطلياس وفي وادي قاديشا والأرز والمغائر والمناسك ومواقع الأبدال. يتعرّفون على لبنان الوجه الآخر، الحجر والبشر. فكان اللبنانيون يزدادون افتخاراً بأنهم لبنانيون. وكان الاجانب مندهشين متأكّدين من أنهم بحاجة الى عشرات السنين لكي يتوصّلوا الى ما أحيطوا به من المودة والرحابة وحسن الوفادة. تستقبلهم البلديّات. ويحلّون ضيوفاً على بيوت الصداقة في كلّ قرية.
وطوال أيام الحجّ التسعة كان السيّد من على فراش الألم يرافقهم بالأدعية والكلمات المشرقة والمواقف الهادية.
رافقهم في دورة الكنائس والمساجد والمقامات وسط بيروت مؤكّداً لهم انها كلّها بيت الله. وأن أهمّ بيت لله هو قلوبهم.
ورافقهم في الجبال والأودية: من وادي الحجير الى وادي التيم الى وادي قاديشا "حيث عاش النسّاك والأبدال فعاش بهم الوادي. وكيف أصبحت الأعماق قمماً والسفوح مطلّات على السماء وشرفات على الأهل وعلى الغد".
في الجبال كان ينادي "يا مارون، أنا مشتاق الى مكّة: الى غار حرّاء في جبل أبي قبيس الذي قال عنه الرسول: "جبل يحبّنا ونحبّه ".
وكان يوم ترافقنا الى العراق الجريح صحبة فرح العطاء الذي كان يجمع أطفال العراق في "جمهورية الأطفال "عرباً وأشوريين وأكراداً وتركمانا وأيزيديين. فكان السيّد يبشّر لا بالقوميّة العربية ولا بالقوميّة السّورية بل بقوميّة الانسان. فيكتب في العدد الخاص بالعراق من "هللّويا" التي يصدرها مركز الدراسات والابحاث المشرقية: "أحبّائي أطفال العراق: قبلة حارّة على خدودكم الحلوة. أبارك لكم أعيادكم وأحبّ أن تباركوني لأن البركة فيكم ومنكم. وأهديكم غصناً من أرز لبنان وأنتظر هديّة منكم: نخلة لأزرعها في حديقتي وفي قلبي. وأدعو العصافير لتغنّي على أغصانها".
كانت حياة السيّد كلها حجّاً، لا حجّاً الى الكعبة ووادي قاديشا فقط، بل حجّاً الى سيّد الكعبة ووادي قاديشا.
وكان تدرّجه كلّ يوم ليس فقط في مدرسة القرآن الكريم وسنّة النبّي بل في مدرسة الرحمان الرحيم، مدرسة الحبّ، فجمّع كلّ ما تعلّم وكلّ ما عشق وكلّ ما عاش في وقفة في كنيسة عاميّة انطلياس متوجّهاً الى الحاضرين "أحبّوني، أنا أحبّكم". في نعيه اليوم، كتبنا في الجرائد: بهديه، بالأمس، أطلقنا حملة "معاً نعيد البناء" وبحدبه اليوم، نكمل الدرب. لأن السيّد باق معنا.
معاً نعيد البناء