تُشكّل رسائل أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، مدخلاً هاماً لدراسة فكره وحياته. فهي تُلقي أضواء كاشفة على كثير من الأمور والحوادث الشخصية والحزبية والسياسية والتاريخية، وعلى عدد من المسائل الفكرية والعقائدية والفلسفية. كما تُظهر مجموعة من الأعمال والخطط والمشاريع، إن على الصعيد الحزبي أو على مستوى السياسة الإنترنسيونية في مرحلة مفصلية هامة من التاريخ السوري المعاصر، بما فيها مخططات تفصيلية كبرى لكيفية تصوّر سعادة للحياة القومية الجديدة.تعطينا تلك الرسائل كثيراً من التفاصيل والمعلومات التي تساعد على معرفة وفهم مسار حياة سعادة وحياة عائلته، وتاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي ومراحل جهاده، والمشكلات التي اعترضته والحلول التي أوجدها لهذه المشكلات، إضافة إلى إظهار جوانب من التاريخ الاجتماعي والسياسي للأمة السورية في الوطن والمهجر. وتتضمن أيضاً معلومات جديدة حول مجموع من الأشخاص، قوميين وغير قوميين، كانت لهم حيثية معيّنة آنذاك. لقد تعرضت رسائل سعادة لمخاطر الضياع، وعوامل التلف والإهمال والإخفاء بسبب مصاحبات الأعمال السياسية والحزبية وأخطارها ومشكلاتها. وكثيراً ما عمدت السلطات القمعية في الكيانات السورية، وقوى الاستعمار، إلى مصادرة وإتلاف أو إخفاء وثائق الحركة القومية وتراثها.

سعادة يكتب في مغارة جبال صنين أثناء اعتقاله في صيف 1947 (أرشيف بدر الحاج)

وقامت محاولات عديدة سابقة لجمع وحفظ هذا التراث الغني الذي تمثله رسائل سعادة، فصدرت مجموعة عامة أولى عام 1978 حوت ثلاثمئة رسالة ورسالة. وتبعتها مجموعة عامة ثانية عام 1989 حوت سبعاً وسبعين رسالة. أعقبتها مجموعتان اختصاصيتان: الأولى ضمت 19 رسالة من سعادة إلى أدفيك جريديني عام 1997، والثانية ضمت 120 رسالة من سعادة إلى زوجته جولييت المير سعادة عام 1999. ثم ظهرت مجموعة عامة ثالثة عام 2001 جمعت قسماً من المجموعتين العامتين السابقتين مع رسائل إضافية، وحوت 523 رسالة.
المجموعة الحالية تضم كل الإصدارات السابقة، العامة والاختصاصية، وتقدّم 691 رسالة منسّقة حسب تواريخها ومضبوطة على أصولها متى كان ذلك متاحاً.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أدلة وافية تبيّن أن عدد رسائل سعادة يفوق بكثير ما ظهر حتى الآن. فهو يشير في متن رسائله المتوافرة إلى رسائل أرسلها إلى عدد كبير من الأشخاص. فهناك مثلاً رسائله إلى أخته وإخوته من الوطن بين عامَي 1930 و1938، ثم رسائله إليهم من الأرجنتين بين عامَي 1939 و1947. وكذلك رسائله إلى عدد من الرفقاء أمثال أسد الأشقر، وخالد أديب، وفخري معلوف، ورشدي معلوف، ووليم سابا، وعزيز ثابت، ويوسف بحمدوني، ومأمون أياس، وجبرائيل مالك من قبرص في صيف 1938، ورسائله إلى مديرية برلين في المدة ذاتها.
أما في مرحلة الاغتراب القسري في الأرجنتين بين عامَي 1939 و1947، فيذكر سعادة عدداً من الرسائل، التي لم تظهر بعد، إلى فؤاد لطف الله، وغالب صفدي، ورشيد شكور، وعبده جزرة، وفؤاد بندقي، ووديع عبد المسيح، وإلياس بخعازي، وجبران مسوح، وإلياس فاخوري، ونجيب العسراوي، ويوسف بهنا، وجورج دده، ورفيق الحلبي، وساسين ساسين، ومريانا الخوري، ودعد نعيم، وإميل بندقي، وبهجت نبّوت، ووليم عفيف، ووليم بحليس، ويوسف الغرّيب، وسليم صوى، وخليل الراسي، وإبراهيم أفيوني، ومنير ديب، وخليل الشيخ، ونسيب مطر، ورستم صدّير، وراجي ضاهر، وإبراهيم صليبي، وفخري معلوف وغيرهم.
وإذا كانت بعض رسائل سعادة إلى قسم من هؤلاء موجودة بين أيدينا، فإنّ عدداً آخر منها غير متوافر، ناهيك برسائله إلى المديريات والمنفذيات في الوطن والمهجر. ورغم التقدم الكبير في جمع وإصدار رسائل سعادة محقّقة ومنسقة، فما زال هناك رسائل منسية تتطلب جهوداً لإبرازها. وعسى أن يكون العمل الحالي حافزاً للكشف عن الرسائل المخفية والمنسية!
إن لجنة النشر تثني على جهود جميع من عمل سابقاً على حفظ ونشر الثروة الفكرية الكبرى التي تحتويها هذه الرسائل، وتناشد كل من كان لديه وصول إلى الكتابات «المنسية» أن يبادر إلى الكشف عنها وإخراجها إلى النور، فهي إرث مميز لأجيال الأمة. وفي الختام يسرّنا أن يتناسب إصدار هذه المجموعة مع الذكرى العشرين بعد المئة لميلاد سعادة في الأول من آذار (مارس) 1904.

* مقدّمة مجلّدات الرسائل السبعة