لم يكن محمد الغزي (1949 ــ 2024) يعلم صباح أمس الخميس وهو يعلن عن قرب صدور مجموعته الشعرية الجديدة «الجبال أجدادي... الأنهار إخوتي» أنّه يودّع الحياة ومحبي الشعر والكلمات. فقد اهتز الوسط الثقافي التونسي لنبأ الرحيل المفاجئ للشاعر الذي ارتبط اسمه بمدينة القيروان (وسط البلاد)، أولى عواصم المغرب الإسلامي، بالشاعر منصف الوهايبي (1949). إذ ترافق الثنائي منذ الصبا في القيروان، مروراً بكلية الآداب في تونس العاصمة، فيما تشابهت تجربتيهما الشعرية. وبرزا بدءاً من عام 1981 كمعبّرين عن المنحى الصوفي في الشعر التونسي والعربي.
أثرى الراحل المكتبة الشعرية والمسرحية بأعمال ذات إشراقات صوفية، مثل «كتاب الماء، كتاب الجمر» (1982)، و«ما أكثر ما أعطى، وما أقل ما أخذت» (1991)، و«كثير هذا القليل الذي أخذت» (1999)، و«سليل الماء» (2004)، و«كالليل أستضيء بنجومي» (2006)، و«ثمة ضوء آخر» (مختارات شعرية ــ بيروت 2007)، و«استجب إن دعتك الجبال» (2015). فضلاً عن كتابين للمسرح، هما: «ابن رشد» و«المحطّة».
كما عرف الراحل بغزارة إنتاجه الموجّه إلى الأطفال، مثل «صوتُ القصَبةِ الحزين»، و«كان الربيع فتى وسيماً»، و«علّمني الغناء أيّها الصرّار»، و«الأرض وقوس قزح»، و«رسالة إلى الشتاء» التي توّجت بجائزة «أفضل كتاب تونسي للطفل» في «معرض صفاقس لكتاب الطفل» عام 2013. وحاز مجموعة من الجوائز، منها جائزة أبي القاسم الشابي عام 1999، وجائزة وزارة الثقافة التونسية عام 2000، وجائزة الإبداع العربي عام 2000، وجائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد لقصص الأطفال عام 2002، وجائزة الشيخة ميرا بنت هزاع بن زايد لشعر الأطفال عام 2004، وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عام 2015.
وعلى مدى أكثر من نصف قرن، كان الغزي حاضراً في المشهد الثقافي والأكاديمي عبر مساهماته في الملتقيات الأدبية ولجان وزارة الثقافة والمهرجانات العربية. ولعلّ من المفارقات أنّ آخر قصائده التي نشرها على صفحته الخاصة على فايسبوك كانت «وداعاً» للعام المنصرم، فيما لم يكن يدري صاحبها أنّه لا يودّع عام 2023 فقط بل الحياة.
ومما جاء فيها: «حين يمضي العام القديم/ ثمّة أشياء كثيرةٌ تحزمُ أمتعتَها، وتمْضي ورَاءَهُ/ ثمّة غاباتٌ تترك حقائبنا وتمْضي، ثمة جبالٌ تتركُ دفاترنا وتمضي، ثمةَ أنهارٌ/ ونجومٌ وينابيعُ، ثمة قلاعٌ وحصونٌ، وحكايات شتّى، كلّها تفردُ جناحيْها، وتمْضي خلفهُ، تاركةً وراءها حُزناً رهيفاً كالضّبابِ، وشفيفاً كرذاذِ الخَريف...».