«الألوان أوّل ما يُدهشك في لوحات الخطيب، الأزرق الشاحب، الأخضر، الليلكي، الأحمر الدموي... لكنّها جميعها مغلّفة بضوء لا تدري مصدره». هذه عبارة وردت في مقالة في صحيفة «لوريون لو جور» عام 1977 تصف فيها أسلوب محمد علي الخطيب (1937-2023)، أحد روّاد الفنّ اللبناني الذي رحل قبل أربعين يوماً.تكثرُ الألقاب التي نستطيع أن نطلقها على رجل تشهد مسيرته على إنجازات تتمحور حول خدمة القضايا الإنسانية والملتزمة، على رأسها قضية المقاومة بكلّ تفاصيلها وأبعادها وتضحياتها. رحلة نضال طويلة تخلّلها عمل دؤوب ومضن في سبيل إعلاء كلمة المقاومة ونصرة الحقّ، وخصوصاً في الثمانينيات إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، إضافة إلى الحضور البارز في ساحات العلم والعمل ليتحوّل إلى رمز ومؤثر في المجتمع اللبناني، ولا سيّما في صيدا بوابة الجنوب.
لعلّ لقب «الفنان الشامل» أو «أيقونة الفنّ الملتزم» هو الأقرب لوصف تجربة محمد علي الخطيب. رسام وشاعر وكاتب مسرحيّ وأستاذ في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، يعدّ الخطيب أحد مؤسسي حلقة «الحوار الثقافي» وما لها من أدوار في حشد الكفاءات الفكرية والعلمية والاجتماعية والتربوية من أجل إقامة أسس الحوار الثقافي المنفتح، والثقافة المبدعة الخلّاقة. هو الذي شبّهه الصحافي المصري وحيد عبد المجيد بصلاح جاهين، نظراً إلى تعدد مواهبه وأعماله في مختلف المجالات بدءاً من الرسم والفنّ التشكيلي مروراً بالتأليف الشعري والمسرحي، وصولاً إلى النقد الأدبي والفنيّ.
ولد محمد علي الخطيب في مدينة برجا في إقليم الخروب عام 1937 وأمضى طفولته في منطقة بعلبك. كان يقضي الكثير من وقته في الرسم في معظم الحصص، وكان الأساتذة يوجّهون إليه الملاحظات في معظم الأحيان. إعجاب كبير نالته لوحات الخطيب من قبل أساتذته، فبدأ بالتتلمذ على يد الرسّام الكبير رشيد وهبي في بعلبك، وبدأ برسم اللوحات وهو في سن العاشرة من عمره، وطلائع معارضه كانت وهو في سن الخامسة عشرة، وقد تضمّنت لوحات تنوّعت مواضيعها بين الطبيعة والناس والحيوانات. تنقّل بأعماله الفنية في تلك الفترة بين بعلبك، بيروت وصيدا، ثم غادر إلى مصر حيث درس في «معهد الفنون الدوليّة» في القاهرة، وحاز الدبلوم في فنّ الرسم والكاريكاتور بدرجة ممتاز.
أقام معرضاً خاصاً عن مدينة صيدا وآخر عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982

أقام الخطيب 50 معرضاً خاصاً، كما كانت له مشاركات في معارض عربية وعالمية. أقام معرضاً خاصاً عن مدينة صيدا وآخر عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. عكست لوحته «المعجزة» مآسي الحرب اللبنانية وويلاتها، ومعجزة بزوغ فجر الأمل وسط الركام، ووجدت طريقها إلى موسوعة «مئة عام من الفن التشكيلي في لبنان 1880- 1990» (الجزء الثاني).
كتب الخطيب 60 نصاً مسرحياً مطبوعاً وديواناً شعرياً من ثلاثة أجزاء، إلى جانب مؤلّف بعنوان «الصراع الأدبي مع الشعوبية» وعشرات الأبحاث والمؤلفات والمقالات في الصحف اللبنانية والعربية. تتميز مسيرته في الفن التشكيلي بتعدد المراحل التي تجمع بينها فرادة في الأسلوب باستخدام اللون والرمز، كما ببراعة نادرة في فن البورتريه. ومن أهم البورتريهات التي رسمها لوحة للصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل الذي أعجب بها ووضعها في منزله في الجيزة في مصر، كما رسم كبار الشخصيات اللبنانية والعربية.