تتفاعل هذه الأفكار الموسيقية أعلاه بمقاماتها لتروي قصة هذه «الأحلام المنسية» كعنوان ينسج رواية هذه المقطوعة الممتلئة بهوية موسيقية ذات طابع تصويري عرف راجي مصطفى كعادته كيف يضخ فيها نقلاته المقامية الرائعة كتعبير عن فهمه لمراحل الصراع الدرامي في مقطوعته الجديدة والجميلة التي تعبّر بصدق عن روح الانتماء المحلية التي تخرج مزدانة بعالمية شكلها الخارجي كنسيج توزيع أوركسترالي من دون أن تنسى روحها الشرقية التي يزدهر بها هذا النسيج البوليفوني، وهو يحتفل بعناوين مقاماتها المشروحة أعلاه.
كتابات مفعمة بروح الأصالة الشرقية، وبمقامات الموسيقى العربية
تتفاعل عناصر هذا النسيج، راويةً باختصار أحلام راجي مصطفى من البداية إلى النهاية بتآلف وتوازن موسيقي جميل. يستعمل راجي مصطفى مقامَي الموسيقى الكلاسيكية العالمية (ماجور مينور) ويتفنن في استعمال تقنيات توزيع وأركسة غربية بعلاقات تفاعلية هارمونية تناسب استعماله لمقامات الموسيقى العربية، فيمكن وصف مؤلفاته بالمنفتحة على ذكاء التفاعل والتواصل بدون تعصب.
المعزوفة الجديدة تحمل مفتاح أصالتها ليس فقط في جذورها المقامية الشرقية فقط، بل في تفاعل مقاماتها بروح عالمية تتوسل النقل المقامي بتلقائية شفافة لا ادّعاء فيها أبداً، بل يمكن القول إنّها ذات طابع محلي قديم يذكرك دوماً بأحياء صور القديمة وهي تتقاطع بضواحيها الجديدة المطلّة على البحر المنفتح على العالم بروحية المناخ المتوسطي الشرق عربي. إنّها أحلام وان كانت منسيةً في العنوان كما يقول راجي مصطفى، لكنها في لاوعي الموسيقي، تنهض للقاء الحاضر الموسيقي، وهو يواجه العالم بجمال ملامح مدينته تاريخياً وجغرافياً. قد يكون أيضاً في كيفية رؤيتنا لمدينة صور وهي تتفاعل تاريخياً بمقامات يعرف راجي مصطفى كيف يخوضها ليُطَوّع ألحانه بحب وفرح كبيرين ويعيد صياغة توزيعاته برفدها بشرعية التعبير الأصيل عن سحر الشرق وروحه التي ستبقى تحلم بالخروج إلى العالم من داخل جذور مقاماتها.
من هنا، تشعر أن طابعها العام يمزج بشكل لائق ومتجانس، ما بين الطابع الشرق عربي والطابع السينمائي، وما يعرف تحديداً بالطابع الملحمي لما فيه من خليط ما بين الكلاسيكية والحداثة. نلاحظ أن مدة هذه المقطوعة يمتد على ثلاث دقائق ونصف الدقيقة، لتناسب سرعة عصر الحداثة ووتيرة فهم الجيل الحالي لتصل الفكرة بشكل سريع ومختصر بلا تطويل يجلب الملل. يخرج راجي مصطفى بروح التأليف ليضع المتلقّي أمام سحر التعبير الذي يدغدغ روحه وتوقه إلى إعادة التذكير بما يكاد يختفي في الهبوط الموسيقي الذي يلف البلاد والعباد. يرسم خريطة حلمه بلغته المبتكرة وبكتابة موسيقية يداوم بإصرار على توسّلها بكل ما في روحه الجميلة من طاقة وشغف و«أحلام منسية».