الحديث عن الأستاذ محمد سلمان ذو شجون، فنحن أمام فنان متعدد المواهب، مخرج ممثل مطرب ملحن منتج، وهذه مسائل من الصعب جداً أن تجتمع في إنسان واحد وليس لها مثيل في تاريخنا العربي تقريباً. بدأ الغناء بنمط غنائي كان له شعبية في ذلك الوقت وهو «الهوّارة» اللبنانية. عام 1944، وصل إلى مصر حيث كانت فترة ازدهار كبيرة وتحضير للخمسينيات والستينيات، وظهور عمالقة كبار مثل الموسيقار عبد الوهاب والقصبجي وزكريا وغيرهم. بعد ذلك بدأ مرحلة التلحين والتمثيل، ومن الصعب جداً أن نحصر الأغنيات التي أدّاها وكانت أحياناً من تأليفه.. تشرّفت بالعمل معه في أغنيتين: واحدة لحنتها أنا للفنانة ميشلين خليفة، وغنيت له قصيدة «إنا هنا» وهو نشيد وطني لليبيا. تستوقفني مسألة الغناء والتلحين اللذين استطيع الكلام عنهما أكثر من التمثيل والإخراج والغناء.. هو صاحب صوت رجالي (تينور) وهذه الدرجة من الأصوات الرجالية لم تكن كثيرة حينها وأنا أجد أنه كان متميزاً في طبقاته من وجهة نظري. في التلحين هو مبدع غير طبيعي، وسأقف عند ثلاثة نماذج: الأولان وطني والثالث أغنية طقطوقة لا تزال تعيش معنا حتى اليوم وأعتقد أنه سيكون لها الخلود وهي أغنية وليد توفيق «هابي بيرثداي تو يو». رغم أنّ العمل يبدو بسيطاً، إلا أنّ هذه البساطة فيها إعجاز. وفي تاريخنا نرى أغنيات مناسبات كثيرة، إلا أنّ هناك أغنية واحدة تبقى الممثل الشرعي لهذه المناسبات وأعتقد أنّ هذه الأغنية هي الممثل الشرعي لأعياد الميلاد من لحظة ولادتها حتى اليوم وحتى الغد. حتى اليوم عندما نتكلم عن الأغنيات الوطنية «لبيك يا علم العروبة» عام 1956 و«سوريا يا حبيبتي» التي تفصل بينها وبين الأولى مسافة17 عاماً، نجد القدرة نفسها على الإبداع والحماس والشعلة المتوقعة في قلب المبدع في مقام واحد هو مقام الكرد في استغلال مثالي له. «سوريا يا حبيبتي» كتب كلماتها ولحنها وغناها مع الفنانة نجاح سلام ومحمد جمال، فقدم عملاً من أروع ما يكون. تعرفت إليه في العقد الأخير من حياته قبل زواجي من ابنته سمر، وهو إنسان كريم جداً. كان نعم الأب الحنون وصاحب عطاء بدون حدود لا يحمل الضغائن، غير متكلف، نظرته للحياة فلسفية وعميقة غادرها ساخراً مبتسماً.

* الملحّن أمجد العطافي