يحتفل الحروفي المغربي كريم جعفر بالذكرى الثلاثين لإقامة معرضه الأول في مدينة روان شمال باريس بإقامة معرض استيعادي ضخم وهو تقليد ينظمه كل عشر سنوات احتفالاً بمسيرته كفنان عربي وصل بالحرف العربي إلى الوسط الثقافي الأوروبي.كريم جعفر (1974) من مواليد منطقة الريف في المغرب لأب مهاجر كان يعمل في محل لإصلاح السيارات. في سنة 1986، التحقت العائلة بفرنسا واستقرّت في حي للمهاجرين في مدينة روان وكان كريم في الـ 12 من عمره. في المدرسة -كما يروي كريم لنا، كان شعوره بالغربة كبيراً بسبب جهله باللغة الفرنسية في البداية، فلم يكن أمامه إلا خطّ حروف العربية. أمر كان موضوع تهكّم من زملائه التلاميذ الذين لم يفهموا شيئاً. ومن هناك، تحوّل الحرف إلى خط دفاع عن هويته لفك عزلته. يقول كريم الذي أصبح له صيت في ما بعد في فرنسا إنّ «استغراب التلاميذ للحرف العربي دفعني إلى رهان تحويل الخط والحرف إلى لغة فنية وجعله جسراً لحوار الحضارات».
عندما تتجوّل مع كريم جعفر في مدينة روان في أزقة المدينة العتيقة، تشعر أن هذا الفنان المسكون بذاكرة بصرية محورها الخط العربي قد نجح في ترسيخ الحروفية وتطويع الخط ليصبح لا لوحة فنية فحسب، بل لغة بصرية تتجاوز أبجدية اللغات ومعاجمها. وقد كان الكتاب الفني الضخم الذي أصدره قبل سنوات «رحلة فنان عربي» شهادة على الدروب الصعبة والعصية التي قطعها، هو القادم من عائلة مهاجرين فقيرة ولم يكن لها أفق ثقافي.
تنقّل كريم جعفر بلوحاته وأقلامه المصنوعة من القصب بين معظم المدن الأوروبية، كما نظّم أكثر من معرض في تونس وبلاده المغرب وهاجسه الأساسي كيف يكون الحرف العربي لغة عالمية بأفق فني يتجاوز معنى الحرف إلى جماليته.
وكريم جعفر هو صفحة أخرى من صفحات الحروفية العربية التي دوّنت رشيد القريشي من الجزائر وحسن المسعودي من العراق والتونسيين نجا المهداوي ولسعد المطوي الذين فتحوا آفاقاً بصرية للحرف وحوّلوه إلى لغة تشكيلية بصرية.
وهذا المعرض الذي ستحتضنه القاعة البلدية في مدينة روان الشهر المقبل، سيعرض فيه كريم جعفر مجموعة من آخر أعماله مع بعض الأعمال القديمة التي يعتبرها محطّات أساسية في مسيرته الفنية.