لندن | من السوريالية والأسئلة القلقة، تركّب ليلى الشوّا أعمالها. التشكيلية الفلسطينية التي ولدت في غزة عام 1940، تتوزع تجربتها بين التجهيز والميديا والتصوير والرسم. تُسيّر أعمالها في حقل ألغام من المفاهيم الاجتماعية والأيقونات السياسية والأشياء العادية، من دون أن تتنازل عن الجودة البصرية والجمالية. أعمالها المشاركة في معرض «جسر نحو فلسطين» تشي بروح الصنعة والذكاء الفكري الذي يميّزها، بوصفها إحدى صانعات التجربة التشكيلية الفلسطينية منذ منتصف الستينيات.في هذا المعرض الجماعي، تستخدم التشكيلية عناصر «الكيتش» من تزيين وزخرفة وألوان فاقعة لتخريب و«بهدلة» الأشياء والمفاهيم، كما لإثارة عاصفة من الأفكار والأسئلة التي تغلّفها السخرية والعبث والنقد. نشاهد هذا في عملها Fashionista Terrorista (تصوير ومواد مختلفة على كانفاس ــ 2012) الذي يصوّر أربعة ملثمين بالكوفية، يحيط إطارٌ من الرصاص بصورة كل ملثم. الكوفية التي بدأ وجودها كرمز للمقاومة الفلسطينية صارت تنتج في الصين.

والغرب الذي اعتبرَ مرتدي الكوفية «إرهابياً»، عمد الى تسليع الكوفية بألوان عدة في أسواق الموضة. تكشف الشوّا هشاشة «وصمة الإرهاب» بسؤال: «هل ما ترتديه يحدد أنك إرهابي؟» ولا يفوتها السخرية من الموضة، عبر تفاحة تزيّن صدر قميص الملثم، وفوقها اسم «نيويورك»، المدينة الملقّبة بـ«التفاحة الكبيرة». ونبقى مع الملثم في عملها «طابع لبلاد ضائعة» الذي تلعب فيه الشوّا على شكل الكوفيّة، لخلق أصفارٍ تؤطر الطوابع «الاثنا عشر» للملثم الفلسطيني. هذه الأصفار البيضاء التي تشكّل هالة فوق رأس الملثم، هي إشارة ساخرة إلى المفاوضات العبثية التي أدمنت عليها «سلطة أوسلو». كأن السخرية ـــ كما الحجر وزجاجة المولوتوف ـــ هي من أسلحة الملثم الفلسطيني أمام المحتل والمفاوض والموضة و«وصمة الإرهاب».
في المعرض، نشاهد عملها البارز «حيث تسكن الأرواح» (2012) الذي تزيّن فيه الشوّا بندقية كلاشينكوف بفراشات وخرز، وريش طاووس، وأسلاك. للوهلة الأولى، سنظنّ أن هذا الكلاشينكوف يرمز إلى الثورة الفلسطينية لوجوده في معرض للفن الفلسطيني. لكن الشوّا توظّف أدواتها في الكلاشينكوف في إطار إنساني أوسع. هذا العمل جاء ضمن مشروع رعته مؤسسة Peace One Day، للعمل على الكلاشينكوف بوصفه أداة قتل في صراعات إثنية وعرقية، وبوصفه سلعة مربحة لتجار الحرب. الشوّا قامت بتوظيف عناصر «الكيتش» وتزيين و«بهدلة» الكلاشينكوف، وإحالته إلى جوهرة لا فائدة منها في الحروب. ترى الشوّا أنّ عملها «حيث تسكن الأرواح» لا يرمز إلى سلاح مقاومة المحتل. فالمقاومة، هذه الفكرة الإنسانية السامية، تحتاج إلى معالجة مختلفة.
في المعرض، سنشاهد عملها «محاصرة» (تصوير ومواد مختلفة على كانفاس، 2011) الذي تعمل فيه على صورة فتاة فلسطينية، اعتقلها جيش الاحتلال الإسرائيلي على معبر «إيرز»، وهي في طريقها لتنفيذ عملية فدائية في «إسرائيل». فيديو الفتاة المحاصرة ظهر ضمن فيلمThe Cult of the Suicide Bomber الذي بثته قناة «بي. بي. سي. 4» عام 2005. تستعمل الشوّا هذا الفيديو كمادة خام، بغض النظر عن الخطاب السياسي من وراء الوثائقي. الفتاة «المحاصرة» في غرفة كونكريتية في معبر «إيرز»، سيطلب منها جنود الاحتلال خلع ملابسها. لكن الفتاة تحاول أن تفجّر نفسها من دون أن تستطيع ذلك. في هذا العمل، تحاول الشوّا أن تقرأ بحذر الأبعاد الإنسانية والاجتماعية وراء «استغلال» هذه الفتاة. لا تعمم عملها. في بحثها عن قصّة هذه الفتاة تحديداً، وجدت أنها اتهمت بـ«شرفها»، وأن الضغط الاجتماعي دفعها إلى هذه العملية. تقول: «ما صعقني أن الذين أرسلوها لم يأبهوا لتدريبها على كيفية تفجير نفسها باعتبارها ميتة ميتة». في هذا العمل، سنرى الفتاة المحاصرة الفزعة مسجونةً خلف كتابة باللغة العربية. الكتابة تتحول إلى قضبان تقيّدُ حركتها وتكتم صراخها. في القطعة الثانية من العمل، تزداد كثافة الكتابة، وفي القطعة الثالثة لا تظهر الفتاة بالمطلق. «كثافة الكتابة ترمز إلى الاستعمار، كما ترمز إلى النص المقدّس، وإلى المجتمع الذكوري» تقول ليلى الشوّا.