ينشغل السينمائي التونسي المقيم في بروكسيل محمود بن محمود (1947) منذ سنوات على إعداد فيلم ضخم عن الهجرة غير النظامية المعروفة في شمال أفريقيا بـ«الحرقة»، وسيكون هذا العمل الذي يعود به بعد شريطه الروائي «فتوى»، إلى الأضواء من انتاج مشترك بين تونس وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا. محمود بن محمود الذي أسّس منذ سبعينات القرن الماضي لمسار منحاز لقضايا العدالة الاجتماعية والحريات منذ عمله الأول «عبور» (1982) و«الشيشخان» (1990) و«المشتبه بهم» و«قوايل الرمان» و«الأستاذ» و«فتوى»، إلى جانب أعمال تسجيلية، تحدّث إلينا عن المهرجانات السينمائية والمنصات الافتراضية وعمله الجديد.
اعتبر محمود بن محمود أن هناك مهرجانات مفتعلة وبلا روح تخصصّ لها امكانيات مالية ضخمة، لكن بلا جدوى باستثناء «أيام قرطاج السينمائية». وقال: «المهرجان يحتاج إلى تراكمات لتكون له جذور، فالدعاية لا تصنع مهرجاناً ناجحاً بسحر مهرجان قرطاج بل الجمهور والمضامين الثقافية. هناك حوالي 200 ألف متفرّج في كل دورة وهذا لا نجده في مهرجانات أخرى مثل المهرجان الذي أقيم أخيراً في السعودية. التونسيون حتى الذين لا يهتمون بالسينما يتابعون «أيام قرطاج السينمائية» بشكل أو بآخر، فالمهرجان حدث تونسي بامتياز، وهو ما يميزه عن كل المهرجانات العربية الأخرى». ويضيف: «محطة حاسمة في تاريخ تونس هي تأسيس «أيام قرطاج السينمائية» لأنه مهرجان غير مفتعل. هناك مهرجانات أخرى تخصص لها المليارات على الدعاية، لكن لا وجود فيها للجمهور ولا لروح ولا لتقاليد… المهرجان ليس «زرابي» حمراء ولا استعراض ملابس. مثلاً عندما عرضت شريطي «الأستاذ» قبل سنوات في الدوحة، لاحظت حجم البهرجة والمصاريف والدعاية، لكن لا يوجد اهتمام حقيقي بالسينما. بعد الافتتاح مباشرة، غادر الجميع ولم يشاهد أحد الفيلم تقريباً. «أيام قرطاج السينمائية» مرجع في العالم وكل ما تحقق اليوم هو بفضلها. السينما التونسية اليوم حاضرة في الاوسكار وتوجت بجائزة «سيزار» قبل عامين في الوقت الذي لم تتغير فيه ميزانية الانتاج رغم كل الوعود. هذا يدل على أن تونس لها تقاليد متواصلة مع جيل جديد من السينمائيين يعانون من أجل السينما، وهذا يحسب للسينما التونسية والحضور في «مهرجان كان» لم يكن مصادفة رغم أن سلطة الاشراف لا تتفاعل مع هذه التطورات». ورغم أن قاعات السينما فقدت جمهورها في معظم أنحاء العالم لتعوّضها المنصّات التي تعرض الأفلام، ما زال محمود بن محمود يؤمن بأنّ القاعات قد تعود يوماً ما: «أحياناً أؤمن أن هناك أشياء تعود بعد غياب. من كان يظن أن الأسطوانة ستندثر ثم تعود؟ الأمثلة نادرة لكنها ممكنة. فالمنصة لا يمكن أن تعوّض الحضور الجسدي للجمهور ولا الحميمية التي تخلق في لقاء الناس في المكان نفسه. كم تحدّثوا عن موت المسرح ونهايته؟ وكذلك الإذاعة؟ لكن لا شيء يمكن أن يعوّض المسرح، والدليل أنّه مستمر في أوروبا بما في ذلك المسرح الكلاسيكي لأن فيه لقاء الناس، وهذا لا يمكن أن تعوّضه المنصة التي أعتبرها اضافةً، ولكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن القاعات التي أؤمن أنها ستعود ولن تندثر».
وكشف بن محمود تفاصيل عمله الجديد الذي سيهتم بمأساة الهجرة غير النظامية، قائلاً: «وصلنا اليوم إلى المرحلة الأخيرة في كتابة السيناريو بعدما استعنّا بخبراء في أوروبا لأن الفيلم سيكون انتاجاً مشتركاً بين تونس وبلجيكا وإيطاليا وفرنسا، والمنتج البلجيكي حالياً في صدد وضع اللمسات الأخيرة، والمساهمة البلجيكية هي الأكبر في الفيلم لأنه مكلّف جدّاً و80 في المئة من التصوير سيكون في إيطاليا، وبالتالي فالشريط سيتم انتاجه وفق المقاييس الأوروبية والآن نحن في المرحلة النهائية من الكتابة وسينطلق الانتاج في الصيف. والتصوير قد يكون في ربيع 2023 بعد حصولنا على الدعم من بلجيكيا؛ وإيطاليا وفرنسا».