في عملها الأوّل كمخرجة، تخطو الممثلة الإنكليزية ريبيكا هول خطوة نحو تصوير إحدى الحقبات المظلمة في تاريخ الولايات المتحدة. Passing (متوافر على نتفليكس) المقتبس عن قصّة لنيلّا لارسن نُشرت للمرّة الأولى سنة 1929، بطلتاه امرأتان من أصول أفريقية تقطنان في نيويورك عشرينيّات القرن الماضي. تُركّز القصّة على لقاء صديقتَي الطفولة مجدّداً بعد فراق طويل، وإحداهما باتت متزوّجة من رجل أبيض، في فترة كان فيها زواج البيض من السود في الولايات المتحدة بمثابة المحرّمات. غير أنّ الرجل لم يدرك أنّ زوجته من أصول أفريقيّة، بسبب محاولتها (الناجحة بداية) للـ«مرور» كبيضاء، ومن هنا استمدّ الفيلم اسمه.على مدى 99 دقيقة، يحاول الفيلم الذي عُرض للمرّة الأولى في «مهرجان صندانس السينمائي 2021»، إبراز الميلانكوليا التي تشعرها كلير كندري (روث نيغا) من محاولة صديقتها آيرين ردفيلد (تيسا ثومبسون) الاندماج بين أفراد طبقة عليا من البيض وتبنّي ثقافتهم وأسلوب حياتهم، فيما آيرين نفسها لا تشعر بأي قلق، رغم عنصريّة زوجها جون (ألكساندر سكارسغارد) النافرة. تدور الأحداث حول هذه النقطة الوحيدة طوال الشريط، باستثناء النهاية حيث تأتي انعطافة كبيرة ولكن ليس خارج المتوقّع. شخصيّة نيغا تبلغ ذروتها منذ البداية تقريباً، أي منذ لقائها بصديقتها بعد الفراق، وهو ما يُفقد الشريط قدرة التشويق التي كان بإمكانه إبرازها لو تطوّرت الشخصيّة على مراحل، أي كما يُفترض. فتبدو كلير مهمومة طوال الفيلم، دراميّة فوق اللزوم، ما يجعل المشاهد يشعر بالملل وبأنّ الشريط أطول ممّا هو عليه.
الممثلون يقدّمون أداء ممتاز، خصوصاً نيغا وثومبسون اللتين تترجمان مشاعرهما بطريقة سلسة وطبيعية، رغم قصد المخرجة إبداء وجود الميلانكوليا كأنّه مفهوم ضمناً من دون ترجمته سينمائياً. لذا اختارت تصوير الفيلم بالأسود والأبيض، وبكادر 4:3، أي مثل التلفزيونات القديمة. لكنّ هذا الخيار لم يكُن ناجحاً؛ فقصّة الشريط لا تملك ما يمكنها تقديمه، إذ تدور غالبيّة أحداثها في غرف مغلقة، ما يجعل الحاجة إلى التفنّن السينمائي ضرورة لاستبقاء المشاهد. وتُظهر بعض اللقطات قلّة الخبرة الإخراجية لريبيكا هول التي تبدو كأنّها حاولت المزج في لقطاتها بين أفلام من منتصف القرن الماضي (للمخرج جين ساكس مثلاً) والعملاق روبرت زيميكس (طرق استخدام المرايا مثلاً).
بشكل عام، أتت خطوة هول ناقصة خصوصاً أنّ موضوع الفيلم كان يتيح لها قدرة أكبر على المناورة. فرغم أنّ تصوير حقبة العشرينيّات بالنسبة للأميركيّين الأفارقة ليس بالأمر السهل، إلّا أنّه كان بمقدور هول التطرّق ولو مرّة للمشكلة الجذريّة. فلم تعالج أيّاً من مواضيع العنصريّة والتمييز والعبوديّة والطبقيّة، ولا حتى النسويّة، بل اقتصر الأمر على «المشاعر». في الظاهر، يبدو أنّ الشريط استخدم حقيقة أنّ بطلتَيه امرأتان سوداوان من أجل استثماره شعبوياً، خصوصاً عند متبنّي «ثقافة اليقظة» (woke culture)، وأغلبهم من الليبراليّين الأميركيّين. بالمبدأ، مَن شاهد «كريستين» (بطولة ريبيكا هول نفسها) سيشعر أنّ Passing هو الفيلم نفسه لكن بزمان ومكان وشخصيّات مختلفة. باختصار، نحن أمام عمل قد يحبّه المشاهد... وقد لا يطيقه.

* Passing على نتفليكس