لا يمكن فصل المجال الثقافي في تونس عن التوتر العام الذي عرفته البلاد نتيجة للأحداث السياسية من جهة، وارتفاع معدلات الإصابة والوفيات بكوفيد-19 خلال العام الماضي على نحو تسبّب في انهيار القطاع الصحي. اتّخذت إجراءات مشدّدة للحد من الفيروس من بينها حظر التجول ليلاً ومنع الفعاليات التي تقتضي التجمّع. وهذا يعني بالضرورة إلغاء الأنشطة والفعاليات الثقافية. مع ذلك، سعى القائمون على هذه الأنشطة إلى الحفاظ على استمراريتها ولو في حدود أضيق وبإجراءات أكثر تشدّداً. فكان أن أقامت «النقابة التونسية للمهن الموسيقية» اعتصاماً العام الماضي تُطالب برفع حظر التجول ليلاً، وأطلقت هاشتاغ «أفسحوا المجال للعمل ليلاً». إذ وجد العاملون في القطاعات الفنية من مسرح وموسيقى وفنون أدائية أنفسهم عاطلين عن العمل. رغم ذلك أقيمت بعض الفعاليات الرئيسية الكبرى. على عكس التوقعات بالإلغاء، أقيم «معرض الكتاب» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، ولا يغيب عن قرار إقامته التعبير عن شيء من عودة الاستقرار في أجواء القلق التي سادت في المجالَين السياسي والصحي. كذلك، أقيم «معرض الكتاب التونسي» المخصّص للدور المحليّة. وللمرة الأولى، أقامت المكتبة الوطنية «المعرض الأول للكتاب المسموع» الذي ضم دور نشر محليّة وفرنسية. وأعلن عن العام الثقافي المصري التونسي الذي ستمتد فعالياته خلال العام الحالي.
ومن أبرز إصدارات الدور التونسية، الأعمال الكاملة للروائي عبد الواحد براهم (منشورات نيرفانا)، وكتاب «مرائي النساء: دراسات في كتابات الذات النسائية العربية» (التونسية للكتاب) لجليلة الطريطر، و«وجه الله: ثلاثة سبل إلى الحق» (مسكلياني) لألفة يوسف. كذلك، أصدر «اتحاد الكتاب التونسيين» مجلة محكّمة بعنوان «حوارات فكرية». كما أصدرت الكاتبة آمال قرامي دورية «عيون الجندر» الفكرية المحكمة التي تُعنى بدراسات الجندر. على صعيد المسرح الذي يصعب تخيّل تونس من دونه، فقد انعقدت «أيام قرطاج المسرحية» بعدما غابت في 2020. وحصلت مسرحية «آخر مرة» للمخرجة التونسية وفاء الطبوبي على جائزة العمل المتكامل. كذلك، شهد العام إنتاج العديد من الأعمال المسرحية التي رصد معظمها التحوّلات السياسية والاجتماعية في البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة، من بينها مسرحية «غربة» لـ «مركز الفنون الدرامية والركحية» في مدنين، و«في مديح الموت» لـ «مركز الفنون الدرامية والركحية» في تطاوين، و«منطق الطير» لـ «مسرح التياترو» التي تُوّجت بجائزة «بغداد الدولي للمسرح»، ومونودراما «هارب من الدولة الإسلامية» لوليد الدغسني وغيرها.
كذلك، أقيمت «أيام قرطاج السينمائية» و«أيام قرطاج الموسيقية» في موعدها، وجرى تنظيم معظم التظاهرات الثقافية والفنية على مستوى المحافظات مثل مهرجان «سيكا جاز» في منطقة الشمال والوسط الغربي، و«مسارات المسرح» في المهدية، و«دوز العربي للفن الرابع» و«الواحات الدولي» في توزر و«الوطني للمسرح التجريبي» في مدنين وغيرها. وفي محاولة لكسر العزلة التي لا يفرضها الفيروس فقط بل البعد عن المدن المركزية أيضاً، أعلن عن تظاهرات جديدة تُقام دورتها الأولى في 2021 منها «أيام أندلسية للفن التشكيلي» و«ملتقى الفوتوغرافيّين» وكلاهما في بنزرت، و«ملتقى الفوتوغرافيّين الشبان» في مدينة الشابة.
لجهة الفن السابع، برزت السينما التونسية في 2021، إذ قدمت أفلاماً تعد المشاهد العربي «السينيفيلي» بسينما شديدة الخصوصية على صعيد الموضوع والإخراج، مثل فيلم «الرجل الذي باع ظهره» للمخرجة كوثر بن هنية. ترشح الشريط مطلع العام لفئة الأفلام الأجنبية في جوائز الأوسكار، كما أنجزت المخرجة فيلماً آخر بعنوان «بنات ألفة»، إلى جانب طرح مجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة التسجيلية والروائية اللافتة. ففي «قرطاج» وحده، عرض 13 فيلماً تونسياً طويلاً و37 فيلماً قصيراً، من بينها «عصيان» لجيلاني السعدي الحاصل على التانيت البرونزي في «أيام قرطاج السينمائية»، و«فرططو الذهب» لعبد الحميد بوشناق، و«مجنون فرح» لليلى بوزيد، و«المتشابهون» للحبيب المستيري، و«القربان» لنجيب بلقاضي، و«أشكال» ليوسف الشابي، و«لا زون» لأسعد الدخيلي و«حجر الوادي» لمحمد البحري و«مقرونة عربي» لريم تميمي وغيرها.
من جهة أخرى، شهد عام 2021 رحيل عدد من الشخصيات الثقافية المؤثرة، أبرزها المؤرخ التونسي هشام جعيط (1935-2021) صاحب «الفتنة الكبرى» و«الشخصية العربية الإسلامية» وغيرهما من المؤلفات التي أعادت النظر في المسلمات التاريخية وتعتبر اليوم مؤسسة في مجالها. ورحل أيضاً الأكاديمي وأستاذ الفلسفة عبد الباقي الهرماسي (1937-2021) أحد مؤسّسي كلية علم الاجتماع في الجامعة التونسية. وفقدت الأكاديميا التونسية عالم الاجتماع خميس طعم الله، الذي يعدّ من أوائل الباحثين الذين تنبهوا لدارسة هجرة العمال التونسيّين إلى أوروبا، ومن أول من كتبوا حول استخدام البرامج الثقافية في المؤسسات الإصلاحية.
كذلك، خسرت الأوساط الثقافية فنان الفوتوغرافيا محمد علي السعدي (1950-2021)، مؤسس «رواق السعدي» وأحد روّاد فنّ التصوير في تونس، والفنانة التشكيلية سماح الحبّاشي إثر إصابتها بكورونا، والفنانة دلندة عبدو (1928-2021) التي تعتبر من رائدات التمثيل المسرحي وكانت نجمة التلفزيون في السبعينيات والثمانينيات. وفقد المسرح التونسي الكاتبة المسرحية زينب فرحات التي أسست مع رفيق دربها توفيق الجبالي مسرح «التياترو». كذلك، رحل الفنان والمخرج مكرم بن نصيب شاباً إثر إصابته بفيروس كوفيد، وشكري السماوي (1960-2021)، والممثل توفيق البحيري (1952-2021)، والشاعر عبدالوهاب المنصوري (1962-2021).