تأتي مسرحية «بودي غارد» التي عرضها تطبيق شاهد المدعوم من السعودية، واحدةً من «صدمات» الجمهور العربي أخيراً. انتظار تحويل «بودي غارد» التي بدأ عرضها في تسعينيات القرن الماضي (1999 تحديداً) إلى عرض تلفزيوني أو سينمائي كان كبيراً، إذ أن مسرحيات عادل إمام تمتلك سحراً خاصاً يحبه المشاهد. يمتلك عادل إمام تاريخاً كبيراً في المسرح المصري. ربما ليس هو تاريخ كسعد أردش أو سميحة أيّوب، لكنّه ببساطة أرّخ لوجوده كأستاذ في الكوميديا سواء المسرحية أو السينمائية. يحظى «الزعيم» بتاريخ كبير من خلال مسرحياتٍ طبعت القرن الماضي ابتداء من سبعينياته مع مسرحيات مثل: مدرسة المشاغبين (1973)، شاهد ماشافش حاجة (1976)، الواد سيد الشغّال (1984)، الزعيم (1993). حفظ المشاهدون «ايفيهات» إمام في مسرحياته التي لا ريب أن أقواها كان «الزعيم» التي قدّمته فعلاً كناقد سياسي واجتماعي وفوق كل هذا «كوميديان»، وإن لا يختلف إثنان على أنّه «يهرّج» في بعض الأحيان، وهي مدرسة -منهكة وآخذة بالأفول- موجودة في الكوميديا المصرية عموماً (لا يزال ينتهجها كثيرون أمثال محمد سعد). تحكي المسرحية حكاية سجين بسيط قوي جسدياً، يصبح في جرة قلم حارساً شخصياً لزوجة رجلٍ ثري سارقٍ للأموال العام. هذه القصّة لا تبدو واضحةً للمشاهدين كثيراً، إذ تتخالط المشاهد في بنية تكسيرية للمشهد المعتاد في الدراما المسرحية، فتفقد الأماكن رمزيتها وشكلها الواقعي/ الطبيعي، وهي حالة تتكرر في بعض المسرحيات الكوميدية المصرية. إلا أن مسرحيات إمام عادةً لم تعان من هذه المشكلة أو على الأقل إلى هذا الحد. مشكلة المسرحية الأبرز هي زمن العرض قبل أي شيء: تُعرض المسرحية اليوم، في حين أنّها كُتِبتْ وقُدمت في تسعينيات القرن الماضي (انتهى عرضها في العام 2010، وكانت من أطول مسرحيات إمام عرضاً). هذا العرض لم يراع أبداً أن الجمهور الذي يشاهد المسرحية اليوم «حَفِظَ» عادل إمام عن ظهر قلب من خلال مسلسلاته الرمضانية مذ قرر دخول السباقات الرمضانية عام 2012 مع مسلسل «فرقة ناجي عطالله». الإيفيهات المكررة نفسها، حركات الوجه والجسد نفسها، التعليقات نفسها التي كانت مسلية وممتعة في ذلك الزمن لا مكان لها اليوم، حتى إنها تبدو ممجوجة ومعادة ولا تضحك البتة. حتى يمكن أن يعاني المشاهد من قدرته على إكمال المسرحية التي لا تفشل في الإضحاك فحسب، بل أيضاً تأتي ثقيلة للغاية. مثلاً في مشهد المحكمة، يعيد عادل إمام مقاطعته للقاضي رئيس المحكمة، على عادته في كل أعماله المسرحية والكوميدية، ويكرر تلك المقاطعة، عند المرة العاشرة يشعر المشاهد بأنه «أنهك» إلى حدٍ كبير ويتمنى انتهاء تلك المقاطعة كي يرى المشهد التالي. نقطةٌ أخرى متعبة هي ظهور بعض الفتيات/العارضات في هذا العمل، وهو أيضاً مشابه لظهورهن في كثيرٍ من أعمال إمام، فتيات يرتدين ثياباً قصيرة، مهمتهن الوحيدة هي كما يسمّى حرفياً eye candy، هذا كان ينفع في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. اليوم؟ لم يعد ينفع أبداً.
صورة من مسرحية «بودي غارد» لعادل إمام

كل هذا كان يمكن قبوله والمراكمة عليه، لو أنَّ نص المسرحية، حكايتها، بنيتها كانت مقبولة أو مكتوبة بطريقة جيّدة. النص الذي كتبه يوسف معاطي، يمكن القول بأنه ليس نصاً مسرحياً أبداً: لا شيء فيه يوحي بأنه قد كتب لمسرحيةٍ مختلفة وغير معتادة. معاطي الذي شكّل مع إمام ثنائياً جميلاً قدما خلاله أعمالاً لطيفة مثل «الواد محروس بتاع الوزير» و«التجربة الدنماركية» و«عريس من جهة أمنية» و«السفارة في العمارة»، و«مرجان أحمد مرجان»، و«حسن ومرقص»، وتقريباً معظم مشاركاته الرمضانية ابتداء من العام 2012 مع «فرقة ناجي عطالله» وصولاً حتى 2017 مع «عفاريت عدلي علّام»... هذه الثنائية يبدو أنَّها كانت سبباً في كون المسرحية غير قابلة للمشاهدة حالياً: استهلكت كل مقومات «الزعيم» الفنية/الكوميدية خلال السنوات حتى باتت هذه المسرحية نوعاً من البكاء على الأطلال. يضاف إلى هذا غياب أي حبكة حقيقية، أو معنى للشخصيات أو الأدوار التي في المسرحية. أدائياً، يمكن القول أيضاً وبالفم الملآن أنه ليس هناك أي اداء حقيقي في المسرحية على الرغم من وجود القديرين رغدة وعزت أبوعوف، إذ أنّ الاثنين ممثلان متميزان، لكن نص المسرحية، وضغط إمام المتواصل على أي مشارك معه في العمل، يجعلان شخصيات أي ممثل تتضاءل بالمقارنة. ينسحب الأمر على الإخراج الذي تولاه رامي إبن إمام. لا يبدو أنه قام بأي مجهود كبير للحقيقة، هو فقط التقط المشاهد بأقل حرفية ممكنة. باختصار هي تجربة كان من المنتظر أن تكون تشبه التجارب المسرحية السابقة لإمام، لكنها بالتأكيد فشلت في أن تكون أي شيء بخلاف عمل يمكن نسيانه، وبشدة.