نشرت تانيا صالح أمس، صورة لوجهها على فايسبوك، مع بعض التعديلات التي تجعل من لون بشرتها وشعرها أغمق، مرفقة بعبارة «كل عمري كنت احلم أن أكون سوداء». هكذا أرادت المغنية اللبنانية التعبير عن تضامنها مع المظاهرات الأميركية بعد مقتل الشاب الأفريقي الأميركي جورج فلويد. باختزال معاناة ذوي البشرة السوداء الطويلة في أميركا بلون البشرة والشكل فقط، أثارت الصورة والجملة جدلاً بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، الذين طالبوا صالح بمحو الصورة. كما طالبوها بالاعتذار عن تعديل لون بشرتها الذي يستحضر تاريخاً طويلاً من تقليد عنصري في أميركا القرن التاسع عشر، كان يعمد إلى وضع أبناء البشرة السوداء بصورة نمطية على المسارح والشاشات ضمن ماكياج يطلق عليه Blackface.صالح، التي أبقت الصورة على حسابها الفايسبوكي، نشرت توضيحاً لاحقاً: «لم ألوّن وجهي ولم أرتدِ ملابس غريبة ولا أدليت بما يسيء إلى المجتمع الأسود في الصورة التي شاركتها سابقاً»، ما أثار موجة أخرى من الردود، خصوصاً مع اتهامها بصبغ معاناة السود بحلّة رومانسية، ليس من شأنها إلا تسطيح المعنى السياسي لنضالهم المتواصل منذ أكثر من أربعة قرون في الولايات المتحدة الأميركية.
وبصرف النظر عن نوايا تانيا، فإنها تنسخ، من دون علم ربما، تقليداً طويلاً من تلوين الوجه باللون الأسود، أو ما يطلق عليه Blackface (الوجه الأسود)، من قبل الممثلين البيض لتأدية الأدوار السوداء في العروض الغنائية والمسرحية على الخشبة منذ القرن التاسع عشر. من ناحية، كانت هذه العروض تسلب الأفارقة الأميركيين حقّ تقديم أنفسهم على المسرح، وتترك المهمّة للممثلين البيض ليقوموا بذلك بناء على بعض التنميطات المختزلة والكاريكاتورية، أكان لناحية لون الجسد الداكن، والشعر والشفاه وغيرها من السمات الجسدية التهكّمية من أبناء البشرة السوداء. هذا تحديداً ما جعل من هذا التقليد العنصري محظوراً، إذ أنه ارتبط تاريخياً بسنوات العبودية، خصوصاً في تصوير شخصيّة جيم كرو على المسرح التي أدّاها الممثل الأميركي الأبيض رايس توماس في القرن التاسع عشر، وفي أغنية «أقفز يا جيم كرو». الشخصية العنصرية انتقلت لاحقاً إلى تسمية قانون الفصل العنصري في أميركا الذي بات يعرف بـ «قانون جيم كرو». لذلك، لا يمكن فصل الـ Blackface عن ذلك التاريخ الأليم الذي ما زال الأفارقة الأميركيون يواجهونه حتى اليوم. وهذا ما أثار نقاشات عدّة في السابق، خصوصاً حين قامت الممثلة زوي سالدانا قبل أعوام بتلوين وجهها بلون غامق، ووضعت أنفاً مستعاراً عريضاً لكي تؤدي دور المغنية الأميركية الراحلة نينا سيمون. قوبلت الممثلة حينها بحملة واسعة من الاعتراضات التي تدعو إلى مقاطعة فيلم «نينا» لهذا السبب تحديداً، مع دعوات إلى سالدانا بإعطاء الدور إلى أي ممثلة يمكنها تأدية دور نينا سيمون من دون الحاجة إلى تلوين وجهها.