في أيام قليلة قبيل تعليق الأنشطة الثقافية في سوريا احترازاً من كورونا، شهدت «جمعية أصدقاء الموسيقى» في طرطوس ورشة عمل لعازف العود السوري كنان ادناوي، تضمنت تدريباً على تقنيات مختلفة للريشة وتطبيقاتها في عزف مقطوعات شهيرة، لتختتم الورشة بجلسة استماع ثم حفل في مقهى «الست». يقول ادناوي الذي يعمل على مشروع كتابة تمارين للعود إن «المدرسة الطربية العربية اعتمدت غالباً على ثبات نمط الريشة، في حين يراعي التجديد سلاسة اليد اليمنى وسهولة حركتها»، ويرى أن الآلات العربية تتميز بخصوصية ربع الصوت ونصفه وفقاً لمفهوم الكوما، ما يتيح مجالاً كبيراً للارتجال وأداء التلوينات الموسيقية، لكن مع تطوير تقنيات العزف واستثمار هذه الأبعاد للذهاب بعيداً في الارتجال، وحتى في الكتابة الموسيقية.
في استعادةٍ لمحاولات التطوير في «المعهد العالي للموسيقى» في دمشق، يستذكر ادناوي تجربة الاطلاع على أساليب الارتجال العالمية، وإدراك مدى عدم مواكبة الموسيقى العربية المكتوبة للإمكانيات التي بلغها العازفون في السنوات الثلاثين الأخيرة. يقول: «كطالبٍ في المعهد منذ عام 2004، كنت من الجيل الذي جاء بعد أولى محاولات التجديد في التأليف والتوزيع الموسيقي لهذه الآلات، وكانت لي محاولاتي بناءً على ما فعلوه ضمن أنماط الارتجال الكلاسيكي والمعاصر المبني على سلم معين، أو على نوتة استقرار واحدة. يمكن بذلك تطوير عمل موسيقي وجعل العود يتفاعل إيقاعياً ودرامياً مع الآلات الأخرى».
خلال جلسة الاستماع، عرض ادناوي أعمالاً ألّفها للعود كآلة صولو مع فرقة صغيرة، وأعمالاً مع الأوركسترا، ونماذج لمؤلفين سوريين وأجانب ممن كانت لهم تجارب جديدة للكتابة لآلة العود تميزت بدقة غير مسبوقة.
وعن قابلية الارتجال للتدوين، يرى ادناوي إمكانية ذلك ولو أنه يسلبه معناه كأداء تلقائي متفاعلٍ مع فكر العازف. يضيف: «هذا النوع من الكتابة متطور رياضياً وإيقاعياً. قلة هي التي كتبت في هذا الاتجاه. مع ذلك ثمة غنى كبير في ما قدمه هؤلاء، كالموسيقار السوري نوري إسكندر الذي يكتب مواد لحنية أصيلة تتفاعل مقامياً بشكل في غاية الجمال». وحول وصفه بـ«المؤلف»، يوضح ادناوي أنه يترجم أفكاره إلى مقطوعات ذات علاقة بهويته كموسيقي، ومن ذلك خماسي كتبه للعود والكلارينيت والبيانو والباس والإيقاع، وعملُ جديد لثلاثي موسيقي (قانون وعود وتشيللو) مراعياً التفاصيل الحديثة والجو العام للموسيقى الشرقية. وفيما يخص القوالب، يلتزم بمتطلبات الموجة العالمية المتحررة من تقاليد الكتابة المعروفة. كما لا يرى أن تجربة مدرسة العود السوري تتسم بهوية واضحة، لكنها متطورة أكاديمياً إلى درجة اعتبار التقنيات التي طورها عازفو العود السوريون هي الأفضل والأجمل عربياً.
في حواره مع ادناوي، يستعيد رئيس «جمعية أصدقاء الموسيقى» في طرطوس الفنان بشر عيسى، خريج المعهد العالي للموسيقى عام 2003، تجارب الطلاب التنافسية لتطوير تقنيات العزف. يقول: «كان طلاب الآلات الشرقية والغربية يتبادلون النوتات لتجريب عزفها واكتشاف المزيد من الإمكانيات الصوتية لآلاتهم، ومن هنا بدأت محاولات إخراج العود من طور التطريب الذي كان محصوراً به. بالتالي، كان مهماً الاطلاع على تجربة ادناوي التي أطلقت العنان لإمكانيات العود ليبلغ مرحلة أفضل من الاندماج والتناغم مع الآلات المختلفة».