المهندس المعماري مازن حيدر الذي نشر خبر الهدم على فايسبوك أوّل من أمس، قال إن أهميّة المبنى تعود إلى انتمائه لبداية فترة الحداثة في بيروت التي «تعدّ بنفسها مدينة حديثة، لأنها شهدت فورة عمرانيّة ما بين الأربعينيات والسبعينيات». يشير حيدر إلى خصائصه العمرانية، والمواد المستخدمة في البناء مثل الحديد، وتداخل نوافذه الدائرية، وأنماط بوّاباته، وشرفاته الواسعة. المبنى الذي صمّمه سيستو بمساعدة فريد طراد، يحوي ثلاث طبقات وطبقة سفلية للمرائب، يطلّ على الشارع بأبوابه الخشبية. يحمل المنزل الكثير من سمات الحداثة في تلك الفترة، من الجص الطافي على الجدران الخارجية (taloché)، إضافة إلى تصاميم آرت ديكو في الداخل، والمفروشات التي صمّمها جبران زيادة الذي تولّى أيضاً تصميم المطبخ وخزائنه. بعدما اقتلعت الجرافة ما اقتلعته من المنزل، صار يمكن رؤية سخانات المياه داخل الجدران التي استعان فيها سيستو بمهندس روسي لتنفيذها، وفق موقع «المركز العربي للعمارة».
لا يمكن احتساب أهمية مبنى ما، بمعزل عن علاقته مع المحيط. يقع مبنى رزق في نهاية شارع سرسق الذي يحوي أيضاً متحف وقصر سرسق من القرن التاسع عشر. يحمل الشارع طبقات تاريخية عديدة تمتدّ من القرن التاسع عشر، إلى حداثة القرن العشرين، وناطحات القرن الواحد والعشرين التي باتت تغطي مساحة وافرة منه. يولي حيدر أهمية كبيرة لعلاقة مبنى رزق مع شارع سرسق الذي خسر أيضاً أحد معالمه، قصر بسترس، خلال الحرب الأهليّة. في الشارع نفسه كتب «شارع ذو طابع تراثي». كيف لو لم تكن لافتة كهذه موجودة هناك؟ أسئلة كثيرة لا يمكن تفاديها، ولو أنها تبدو مكرّرة، أبرزها كيفية تعامل وزارة الثقافة وبلدية بيروت مع الإرث الحداثي في المدينة الذي لا ينل في العادة الاهتمام الذي تناله أبنية القرن التاسع عشر والأنماط العمرانية التي تشتمل على القناطر والحجارة. حتى هذه لا تسلم عادة من الهدم. كيف يمكن الحفاظ على تلك الفترة الأساسية التي كانت ترجمة لنمط معماري عالمي في مراحل تطوّره، ومحاولات ملاءمته مع الحاجات المحليّة في لبنان؟ يلفتنا حيدر إلى تجارب كثيرة في بيروت، قام فيها أصحاب وسكان البيوت بترميم منازلهم بمبادرات فرديّة، في شارع السيدة في السيوفي (الأشرفيّة).
يحمل المبنى توقيع المهندس إدغار سيستو الذي عمل مع المعماري فريد طراد في الثلاثينيات
كيف يمكن أن تحدّد أهميّة مبنى ما؟ الإجابة تتطيح بها بين عبثية قرارات المحافظ زياد شبيب وبلديّة بيروت التي يؤكّد عدد من المعماريين مماطلتها في منح رخص الترميم، إذ قد تصل إلى سنة كاملة، مقابل استعجالها في منح رخص الهدم والبناء. انتظر الجميع أن تعبث الجرافة بالمنزل من الداخل قبل أن تتوقّف عمليّة الهدم أمس. قرار التوقيف جاء حين أرسلت المديرية العامة للآثار كتاباً إلى المحافظ. أحد المهندسين المعماريين المتطوّعين في لجنة حماية الأبنية التراثية في وزارة الثقافة، صرّح لـ«الأخبار» بأن وزارة الثقافة كانت قد رفضت منح الإذن بالهدم الذي تقدّم به المالكون في السابق. من منح الإذن بالهدم إذاً؟ سؤال فضّل المدير العام للمديرية العامة للآثار سركيس خوري عدم الخوض في تفاصيله. الجرافة لا تزال مركونة في حديقة المنزل بعدما اقتلعت سورها. بين الجرافة والمبنى الشاهق الذي يجاور بيت رزق، يبدو المشهد كما لو أنه مصير كل الأبنية التراثية في بيروت. هذا ما يتخوّف منه الناشطين الذين أكّدوا أن عامل الاستثمار المرتفع في شارع سرسق قد يجعل من أمر حماية المبنى شبه مستحيل. من السهل توقّع ذلك، خصوصاً أن قانون حماية الأبنية التراثية، يعفي الدولة تماماً من مسؤوليّاتها. إلى حينها، لا تزال الصفقات تجري في الأروقة الخلفية بين المستثمرين والجهات المسؤولة، بينما يتهاوى تاريخ المدينة مع كل مبنى يسقط فيها.