«تيسير قبّعة في مسيرته النضالية: فلسطينياً... عربياً... وأممياً» هو عنوان ندوة تُقام اليوم في «دار النمر» بدعوة من «مؤسسة الدراسات الفلسطينية». الكتابة عن تيسير قبّعة (1938 ــ 2016) ليست بالأمر السهل. إنه واحدٌ من أشهر المناضلين والبرلمانيين الفلسطينيين، وأحد مؤسسي حركتين من أهم الحركات الثورية في التاريخ العربي الحديث («القوميين العرب» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»)، فضلاً عن كونه واحداً من أشهر الطلاب في العالم. لم يكتفِ بتأسيس روابط للطلاب الفلسطينيين حول العالم (بدأ تلك الرحلة عام 1960 وصولاً إلى 1967) بل إنه حين اعتقله العدو الصهيوني في القدس أواخر عام 1967 (لدخوله إليها وإصراره على القيام بعمليات مقاومة ضد الصهاينة ومكث في سجونه قرابة سنتين)، قامت حملات التضامن من اتّحادات وروابط طلابية - دولية - كثيرة بغرض إخراجه من معتقله. إذ كان قد نجح في إيجاد أكثر من 40 فرعاً للاتحاد العام لطلبة فلسطين في دول العالم. غالبية هذه الدول زارته منها وفود في محبسه بغرض الضغط لإطلاقه، الأمر الذي نجح لاحقاً.ولد أبو فراس، في مدينة قلقيلية في الضفة الغربية عام 1938، فدرس وتخرّج من مدارسها، ليسافر بعدها إلى دمشق لدراسة الحقوق. سرعان ما انتُخب رئيساً لرابطة الطلبة الفلسطينيين في سوريا، فأسّس لاحقاً مع العديد من الشخصيات المناضلة (جورج حبش وديع حداد، هاني الهندي، أحمد الخطيب...) «حركة القوميين العرب» عام 1950. وإثر انفصال مصر عن سوريا (عام 1961)، تعرض للاعتقال ثم إلى «النفي»، فطُرد إلى القاهرة. هناك عاد إلى صفوف الدراسة، فدخل كلية الآداب ولم يتوقف عن نشاطه الطلابي والسياسي، فانتخب رئيساً للاتحاد العام لطلبة فلسطين. هنا تنبه قبعة إلى أنَّ للطلاب دوراً مهماً في الصراع مع العدو الصهيوني، فقرر توسيع نشاطات الاتحاد الطلابي.

تيسير قبعة: ناجي العلي استوحى من الرسمة أعلاه

بدأ بزيارة الاتحادات الطلابية في دولٍ عربية وأوروبية (الدول الأوروبية الشرقية والاشتراكية خصوصاً). ذلك الحراك الفاعل أهّله ليصير عضواً للهيئة التنفيذية لـ «اتحاد الطلاب العالمي»، وعضواً في اللجنة التنفيذية لاتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، وعضواً في منظمة التضامن الآفرو-آسيوي. لاحقاً في عام 1964، شارك في المؤتمر الأول للمجلس الوطني الفلسطيني الذي أقيم يومها في القدس، وكان يمثل آنذاك الاتحاد العام لطلبة فلسطين. وإثر خروج «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» إلى العلن عام 1967، بعدما شارك في تأسيسها (بالإضافة إلى جورج حبش، وديع حداد، مصطفى الزبري، حسين حمود/ أبو أسعد، ومحمد القاضي وجلّهم من رفاقه في حركة القوميين العرب)، وجد قبعة بأن الوقت قد حان لارتداء ثياب الميدان والمشاركة في العمل العسكري المباشر. هكذا، ترك الجامعة بعدما حاز شهادتي الليسانس والماجستير في التاريخ، وبدأ بالعمل العسكري في الضفة الغربية. لكن العدو الصهيوني قبض عليه أواخر ذلك العام؛ ولكنه لم يبق معتقلاً لوقت طويل. بتأثير من الوفود الكثيرة، أطلق سراحه وأبعد إلى الأردن عبر صحراء النقب. بعد وصوله إلى هناك، انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كأول ممثل للجبهة لتحرير فلسطين فيها.
في عام 1970، وقعت أحداث أيلول الأسود، ما دفع قبعة إلى الخروج من الأردن والانتقال مع الثورة الفلسطينية إلى لبنان، حيث استقرّ، ولكنه ظل على حركته النشيطة والدؤوبة بين الدول العربية، فترأس أكثر من وفدٍ وجهةٍ فلسطينية للتواصل مع الشعوب والهيئات لشرح القضية الفلسطينية. كان رئيساً للوفد الفلسطيني في مؤتمر الشباب العالمي (لمرتين في برلين عام 1973، وكوبا عام 1978). هناك كانت دعوته الشهيرة لإعلان دولة فلسطين على كلّ «شبرٍ» محرر من فلسطين. كانت تلك الخطوة برأيه «الطريق الأمثل» للوصول إلى تحرير «كامل التراب الوطني الفلسطيني». يشار هنا إلى أنَّ الشهيد ناجي العلي استوحى لوحته «كامل التراب الوطني الفلسطيني» من تصريح قبعة. لم يكتفِ الأخير بهذا الدور، إذ قام كعضو في المكتب السياسي للجبهة الشعبية بترؤس العديد من الوفود التي تواصلت مع الدول الغربية والعربية للغرض نفسه، فضلاً عن حضوره العديد من مؤتمرات القمة العربية والقمم الأفريقية ودورات الجمعية العامة للأمم المتحدة (كان ذلك بحدّ ذاته إنجازاً، إذ لم يكن كثيرٌ من الدول على رأسها الولايات المتحدة يحبذ وجود وفد فلسطيني في دورات الجمعية). ويُحسب لقبعة أنه من أوائل من زار بكين وبنى علاقاتٍ فلسطينية مع الصينيين. فكانت زيارته الأولى في عام 1964 مترئساً وفداً من الاتحاد العام لطلبة فلسطين؛ ليلحقها بزياراتٍ كثيرة، سواء على رأس وفود للجبهة الشعبية أو وفود من المجلس الوطني الفلسطيني.
شهد عام 1996 عودة أبو فراس إلى فلسطين المحتلة لحضور اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في غزّة في دورته الحادية والعشرين. كانت تلك المناسبة لإعادة انتخابه نائباً لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني. أما في عام 2006 فقد انتخب نائباً لرئيس الجمعية البرلمانية الأورو-متوسطية.
تكمن أهمية قبّعة أنّه جاء بعد مرحلة «الاحتلال» الصهيوني لفلسطين، أي مرحلة التشتت وضياع الهوية (ما بعد عام 1948) إذ نشأ جيل فلسطيني مصاب بغمامة الاحتلال من جهة، وبعدم فهم لما يجب فعله مع هذا الكمّ الهائل من الأحداث حوله. أسهم قبعة في تشكيل ذلك الوعي «المقاوم»، لا عبر البندقية فحسب، بل عبر تقديم القضية الفلسطينية وصورتها كفعل «سياسي/ ثقافي/ اجتماعي». تأتي مساهمته في خلق «اتحادات طلابية» و«وفود برلمانية» والإصرار على إدغامها بالفعل المقاوم (كالبرلماني مثلاً) وعياً قائماً بحد ذاته، حيث كان إصرار الصهاينة على أنَّ الفلسطينيين (أو عرب فلسطين كما كان المحتل الصهيوني يصر على تسميتهم) «متخلفون»، وليسوا واعين كفاية للمشاركة في أي عمل «انتخابي/ حضاري/ ثقافي». جاءت نشاطات قبعة السياسية/ البرلمانية كنوع من التحدّي القوي للوجود الصهيوني في تلك المحافل، وكانت مجرّد مشاركة أي وفد طلابي فلسطيني في أي نشاط دولي هو بمثابة انتصار للوجود الفلسطيني مقابل الادعاء الصهيوني بأن «هؤلاء» (أي الفلسطينيون) غير موجودين من أساسه. في الإطار عينه، واجه قبعة العديد من الأصوات الداخلية الفلسطينية التي كانت «تسخّف» العمل «البرلماني/ الطلابي» الذي كان يقوم به، من خلال الإصرار على أنَّ على «الجميع أن يطخ»، فيما كان قبعة يرى بأنَّ كل واحدٍ يقاوم في مكانه. رحل قبعة ولم يحقق حلمه بطرد «الكنيست» الصهيوني من كل المحافل البرلمانية الدولية بصفته برلمان احتلال لا «برلمان دولة».

* بالتعاون مع «دار النمر للفن والثقافة»، تدعو «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» عند الخامسة من بعد ظهر اليوم إلى ندوة بعنوان «تيسير قبّعة في مسيرته النضالية: فلسطينياً... عربياً... وأممياً» في «دار النمر» (كليمنصو ــ بيروت بمشاركة: بيان نويهض الحوت، وليد نويهض وماهر الشريف. وتتولّى الإعلامية ثريا العاصي إدارة اللقاء. للاستعلام: 01/367013