من الشريط
الفنُّ، أسوة بمجالات أُخرى، يخسر أيضاً. لكن الرجُل لا يحبّذ البقاء متفرّجاً على الخسارات من حوله، وهو الذي قاوم تهديدات كما «إغراءات» كثيرة منذ اليوم الأول للحرب. «لا يمكن لأيّ قوة أن تجعلني أنتقل من ضفّة وطني سوريا إلى ضفّة أعداء سوريا». لطالما كانت المأساة الإنسانية ولادة للإبداع في الفن كما في الأدب. يحصل ذلك في كلِّ المجتمعات التي عاشت وتعيش حروباً مماثلة. يبدي لحّام إعجابه بكثير من المبادرات الشبابيّة السورية خلال سنوات الحرب، وبعضها مهتمٌّ بالثقافة والفنون. هكذا إذاً، قد يُحصي المجال الفني خساراته لكنه يربح أيضاً، ويربح معه المشاهدون، أعمالاً سينمائية كـ«دمشق حلب» (إخراج باسل الخطيب). في رحلة «دمشق حلب»، سفرٌ بين المدينتين في زمان هو زمان الحرب، بكل ما فيها من مواقف وتفاصيل يومية «مقيمة على الحدِّ الفاصل بين الدّمعة والإبتسامة». يفضّل دريد لحام أن يسمّيها «جغرافيا الباص» حيث يواجه المسافرون مواقف عديدة «كعائلة واحدة متكاتفة». لا يحصل ذلك في الغالب على أرض الواقع. لكنها السينما التي تريد لـ«دمشق حلب» أن يكون صورة مشتهاة للجغرافيا السورية الأكبر من «جغرافيا الباص» إيّاها. والجغرافيا الأكبر تعود بدريد لحام دائماً إلى بيروت. لكنه هذه المرّة داخل سيارة الـ«كيا» الصغيرة. يدور الحديث عن المُصاهرات التاريخية بين العائلات البيروتيّة والشاميّة. يمرُّ الرجُل قرب أماكن ألفها في مراحل عديدة ومنها مكان سكن «رفيق دربه» نهاد قلعي قبل سنوات طويلة في منطقة الرّوشة، كما مقهى «الجندول» في كورنيش المزرعة حيث كان يعقد لقاءات عمل قريباً من منزل شقيقته المقيمة في شارع «مار الياس». في مقابلته أمس مع فاتن حموي عبر أثير «صوت الشعب»، إستعاد دريد لحّام لثوان قليلة شخصيّة عيسى عبدالله (بطل الفيلم بدور المذيع السابق في «صوت الشعب» السورية) فقال: «هنا نبضكم هنا قلبكم هنا صوتكم». ما زال دريد لحام (مواليد 1934) قادراً على أن يصنع لحظات جميلة وسط الخراب القائم. برأيه، فإنّ «الفنّ الذي يعكس الواقع المرير، يجب أيضاً أن يضيء شمعةً للمستقبل وأن يزرع الأمل والحلم».