انقضى عام كامل، ومعه مرّ موسم ثقافي، يمكن أن يقاس نقديّاً بفاعليّته، أو باستعادة أهمّ المواعيد وطفرتها في مدينة بحجم بيروت. الكثير من المهرجانات والأفلام والندوات والعروض المسرحية والموسيقيّة والمعارض الفنيّة تتوالى في الأمكنة والفضاءات والمسارح، مع فورة في المهرجانات الدوليّة التي ترفع شعارات حقوق الإنسان والحريّات والتبادل في السنوات الأخيرة. يمكن لأي مرتاد لها أن يلاحظ الجمهور نفسه، غالباً، أمام غياب همّ استقطاب جمهور جديد، في بيروت أو خارجها، رغم بدء تمدّد بعض الأنشطة إلى المناطق اللبنانيّة. لا مجال في هذا المقال للتعمق في علاقة تجارب فرديّة (بمعظمها) بالبيئة المحليّة، ولا تحميلها ما يجب على الدولة ووزارة الثقافة أن تقوم به. البداية مع المواعيد الأساسيّة مثل «معرض الكتاب الفرنكوفوني»، والدورة السابعة والثلاثين من «معرض الحركة الثقافية ــــ أنطلياس». أما «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» فبقي ديكوره السنوي على حاله في دورته الثانية والستين، خرقها حضور بعض الكتّاب مثل الشاعر السوري أدونيس، والمؤرّخ جورج قرم (حصد هذه السنة جائزة الأكاديمية الفرنسية عن كتابه «المسألة الشرقية الجديدة»)، والروائي إبراهيم نصر الله الذي وقّع روايته الفائزة بجائزة «بوكر» الأدبيّة «حرب الكلب الثانية». كلّ ذلك جرى على مرأى من أبواب المكتبة الوطنيّة اللبنانيّة، التي ظلّت مغلقة حتى بعد الدعوة الأخيرة التي ما كانت إلا تأجيلاً آخر سبقته ثلاث دعوات مماثلة في السابق. بعيداً عن المعارض، انحصرت الأنشطة واللقاءات الأدبية في المقاهي والحانات، وفي المكتبات أبرزها «السبيل». نادي المطالعة في مقهى «ة» أقام لقاءات مع جبور الدويهي، وعلويّة صبح حول روايتها «مريم الحكايا» (وصلت ترجمتها إلى القائمة القصيرة لجائزة EBRD الأدبية العالمية)، والياس خوري حول روايته «أولاد الغيتو: اسمي آدم» التي صدر الجزء الثاني منها «أولاد الغيتو 2: نجمة البحر».

حصدت فرقة «زقاق» جائزة إلين ستيوارت الدولية

في المعرض، صدر «توقيع سايكس ــــ بيكو ــــ بلفور» لفواز طرابلسي، الذي نشر أيضاً حواره الطويل مع جورج البطل، ومؤلفات لأحمد بيضون، ووضاح شرارة، ونصري الصايغ، وخالد زيادة. وخارج المعرض، وقّع عباس بيضون روايته «شهران لرلى»، فيما تصدى الشاعر اللبناني لاتهامات مغلوطة ومتسرعة، تنتقد «تخلّيه» عن قصيدته «مصرع علي شعيب». الحزب الشيوعي اللبناني وجّه تحيّة إلى مهدي عامل وحسين مروّة في الذكرى الحادية والثلاثين لاغتيالهما. هذه السنة، غادرتنا الكاتبة إملي نصر الله التي تمكنت الدولة اللبنانيّة من تكريمها قبل رحيلها. وبالتزامن مع إصدار طابع بريدي باسمها، أطلقت «دار قنبز» كتابها الأخير بعنوان «المكان». كذلك، خسر لبنان رجل دين متنوّراً هو جورج مسّوح الذي خلّف وراءه أفكاراً تنادي بالدولة المدنية، وتتصدى للتوجّهات الإلغائية للمؤسسات الدينية. العاميّة اللبنانية فقدت الشاعر موريس عوّاد، فيما رحل أحد أعمدة الزجل «زغلول الدامور» (جوزيف الهاشم). بالانتقال إلى السينما، يمكن اختصار هذه السنة بحدثَين أساسيين محلياً. الأوّل هو إعادة اكتشاف جورج نصر عبر عرض باكورته الروائية «إلى أين؟»، والتي أصدرها «نادي لكل الناس» ضمن DVD. أما الحدث الثاني فتمثّل بفوز فيلم «كفرناحوم» لنادين لبكي بجائزة لجنة التحكيم في «مهرجان كان السينمائي»، كما أعلن منافساً رسمياً في جائزة «غولدن غلوب» ورُشِّح إلى أوسكار «أفضل فيلم أجنبي». لكنّ النقاد المحليين كان لهم وجهة نظر أخرى في شريط لبكي، إذ انقسمت الآراء حوله، فتوجّهت بعض الانتقادات إلى اختزاليّة الشريط، ومقاربته لأكبر عدد من القضايا البائسة في البلاد بما يتماهى مع النظرة الغربيّة إلى المنطقة. «نادي لكل الناس» احتفى بالمخرج العراقي قيس الزبيدي في صيدا. أما سينما «متروبوليس»، فقد أبقت على برنامجها المعتاد مع «مهرجان السينما الأوروبيّة»، و«شاشات الواقع»، و«ملتقى بيروت السينمائي»، و«مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية»، ومهرجان «مسكون» الذي منعت الرقابة منه فيلمين. دشّنت «متروبوليس» مشروع «سينماتيك بيروت» بتحية إلى المخرجة اللبنانية رندة الشهّال في الذكرى العاشرة لرحيلها. وفي هذه المناسبة، كرّم «مهرجان طرابلس للأفلام» الشهّال أيضاً في دورته الخامسة، واحتضنت بعلبك الدورة الثانية من «مهرجان بعلبك الدولي للسينما». وفيما أعلن «مهرجان بيروت الدولي للسينما» تأجيل دورته بسبب الوضع الاقتصادي، أقيم «مهرجان الفيلم اللبناني»، فيما أطلق «مجتمع بيروت السينمائي» مهرجان «بيروت الدولي لسينما المرأة». أما عروض أحدث الإنتاجات المحلية، فقد تضمّنت «يوم ببيروت» لنديم تابت و«نار من نار» لجورج هاشم، و«غود مورنينغ» لبهيج حجيج، و«شهيد» لمازن خالد. وتمكّن الجمهور اللبناني من مشاهدة «واجب» للفلسطينية آن ماري جاسر بعدما حاولت الرقابة حجبه بتهمة «التطبيع»! عبثية الرقابة طاولت أيضاً باكورة رنا عيد الوثائقية «بانوبتيك»، التي تغلّبت على المنع بعرضه على موقع Vimeo. من جهة ثانية، نجحت دعوات «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» في منع فيلم «أدغال» للمخرج الأوسترالي غريغ ماكلين، والكاتب الإسرائيلي يوسي غينسبرغ. وأذعنت الفنانة الكولومبية شاكيرا لمطالبات اللبنانيين، إذ ألغت حفلتها التي كانت مقرّرة في تل أبيب المحتلّة، قبيل افتتاحها «مهرجانات الأرز الدولية». باستثناء هذا الحدث، مرّ موسم المهرجانات الصيفيّة بروتينية من دون مفاجآت في الضيوف، بل كانت بعض العروض دون مستوى خيارات السنوات السابقة. موسيقى ورقص وعروض متنوّعة دعتها بيت الدين وجبيل وصور وصيدا وذوق مكايل وطرابلس وإهدن وحمانا، وبعلبك التي خسرت الرئيسة الفخرية لمهرجاناتها مي عريضة بعد رحلة طويلة في المجال الثقافي. وفي خطوة لافتة، قرّر الموسيقي شريف صحناوي إلغاء حفلته في مهرجان Ruhrtriennale الألماني الذي منع فرقة Young Fathers الإسكتلندية من المشاركة بسبب تأييدها لحركة المقاطعة. موسيقياً، قدّمت لنا ليالي «البستان» هديّة بتخصيصها مجمل الدورة لمقطوعات يوهان سيباستيان باخ. الموسيقى الكلاسيكيّة حضرت في «موسيقات بعبدات»، ثم في «بيروت ترنّم» أخيراً. وفي مناسبة فوزه بالمرتبة الأولى في مسابقة في عزف البيانو الكلاسيكي في بودابست، أقام الكونسرفتوار أمسية لمهتدي الحاج. وبعد انقطاع طويل، عاد زياد الرحباني إلى إحياء حفلات موسيقيّة في بيروت وصيدا، وقلعة الشقيف وحراجل والضبيّة، إلى جانب أمسيتين في مهرجانات بيت الدين، وأخرى في القاهرة. أقيم مهرجانا «ارتجال»، و«بيروت آند بيوند»، واحتضنت «ميوزكهول» حفلات لتشاينا موزس، وكايل إيستوود وهيو كولتمان. لم تخل العاصمة من الأمسيات الموسيقية لفرق وفنانين عرب ومحليين؛ من بينهم المصريّة مريم صالح وكنان العظمة، وتوفيق فرّوخ الذي افتتح الدورة السادسة من «مهرجان بيروت للجاز»، وشربل روحانا وسامي حوّاط وجاهدة وهبي وساندي شمعون وزياد سحاب وخالد الهبر والمصري مصطفى سعيد، وغادة غانم وسناء موسى، وحفلة لغسان سحاب شارك فيها عازف العود اللبناني الشاب عماد حشيشو قبل رحيله المفاجئ بحادث سير غيّبه عن حضوره الأساسي مع الفرق اللبنانيّة مثل «الراحل الكبير»، وفي عروض «مترو المدينة». غادرتنا أيضاً عازفة العود والمغنية العراقية اللبنانية سحر طه، والمغني اللبناني نهاد طربيه. الباحث والناقد الموسيقي الياس سحّاب استعاد تجربة سيّد درويش ضمن سلسلة محاضرات موسيقية يقيمها باستمرار. في السياق نفسه، أطلقت «دار النمر» مع جمعية «عِرَبْ» مبادرة «دار سَمَعْ» التي يسترجع فيها الفنان والباحث محمود زيباوي تجارب عربية مثل فيروز وأسمهان وبليغ حمدي. وفي مئويته، حضر الشيخ إمام في حفلة أقامها «مترو المدينة» الذي وجّه تحيّة إلى نهاوند وإلى جورجيت صايغ وفيلمون وهبي. أخيراً، شهدت بيروت فورة في الفضاءات البديلة التي تختلف عن فكرة المسرح التقليدية. أمكنة تتسع لكل أنواع الفنون مثل «مترو المدينة»، و«استديو زقاق»، و«تياترو فردان» و«مسرح الجمّيزة»، و«أبراج» وفضاء «شغل بيت».
هكذا استقبلت عروضاً تضاف إلى أنشطة المسارح الأقدم في العاصمة مثل «مونو»، و«دوّار الشمس»، و«مسرح المدينة» الذي احتضن مهرجانَي «لبنان الوطني للمسرح»، و«المسرح الأوروبي في لبنان». عرضت المسرحيات المونودرامية والتجريبية وأخرى متعددة الوسائط، إضافة إلى الدمى مع «مسرح الدمى اللبناني»، وبعض عروض «فرقة كهربا». شاهدنا «حكي رجال» للينا خوري، و«طرّة نقشة» لكميل سلامة، و«البيت» لأرزة خضر وكارولين حاتم، و«كارنيفورس» لعصام بو خالد، و«الانهيار» للمغربي نبيل لحلو، و«مجدّرة حمرا» و«شو ها» ليحيى جابر، و«ديستوبيا» لـ«منوال»، و«طقس بيروت» لعايدة صبرا، و«كلّه من الزيبق» لفائق حميصي وكريم دكروب، و«حقن اللعبة» لساري مصطفى، و«وهم» لكارلوس شاهين، و«وما طلّت كوليت» (كتابة زياد عيتاني وخالد صبيح ــــ إخراج هشام عدنان). حصدت فرقة «زقاق» جائزة إلين ستيوارت الدولية، واختيرت الممثلة والعضوة المؤسسة في الفرقة مايا زبيب لإلقاء رسالة في احتفالية يوم المسرح العالمي. كذلك، أقامت الفرقة الدورة الثانية من مهرجان «أرصفة زقاق» الذي دعا فرقاً وفنانين من لبنان والعالم. وفي دورته الرابعة عشرة، وجّه مهرجان «بايبود» للرقص المعاصر تحية إلى جورجيت جبارة. وأمام افتقار المسرح اللبناني إلى الكتابة والنصوص الجديّة، أصدرت «دار نلسن» خمسة مؤلفات وترجمات للكاتب المسرحي الراحل عصام محفوظ. المسرح اللبناني خسر المخرج نبيل الأظن، ووجهاً استثنائياً هو المسرحي زياد أبو عبسي الذي رحل بهدوء بعد سنوات أخيرة أمضاها في الظل. شهدت الفنون البصرية فورة طوال أشهر السنة في بيروت عموماً، وفي بعض المناطق البعيدة.
خسرت العاصمة معلماً تاريخياً بعدما سمح وزير الثقافة بتفكيك السور الروماني في منطقة الباشورة

إذ افتتح متحف «نابو» في منطقة «الهري» (شمال لبنان)، بمقتنيات أثرية عمرها آلاف السنين ومجموعة لفنانين لبنانيين وعرب. أما الغاليريات فقد عرضت كل الفنون والوسائط من اللوحات والنحت والفيديو والأعمال المفاهيمية والأرشيفية لفنانين محليين وعرب، أبرزها معارض زاد ملتقى ورشا السلطي وكريستين خوري، ورائد ياسين، وعلي رضا شجاعيان، و المعرض الجماعي «قيمة الوجه: موجز تاريخي عن رسم البورتريه في لبنان»، ومعارض جميل ملاعب، وعلاء أبو شاهين، وخليل رباح، وسِروان باران، ولاريسا صنصور، وتغريد درغوث، وصلاح صولي وأسامة بعلبكي، وسعيد بعلبكي، وريم الجندي، وآني كوركدجيان، وروي ديب، وأكرم زعتري، وغريغوري بجاقجيان، وسمعان خوّام. «غاليري مارك هاشم» استعادت النحات اللبناني الراحل ألفرد بصبوص، و«دار النمر» التشكيلي الفلسطيني توفيق عبد العال. الدورة التاسعة لـ«بيروت آرت فير» احتفت بأعمال المعلم بول غيراغوسيان، وأقامت معرض «ما وراء الحدود» يغطي حوالى قرن من تاريخ التصوير اللبناني. شهدت الفوتوغرافيا حركة لافتة، وخصوصاً بعدما افتتح استديو A+ و«مركز بيروت للتصوير» صالة للتصوير، انطلقت بمعرض جماعي لمصورين لبنانيين، واحتضنت ندوات، ومعرضاً للإيراني كاوه كاظمي. رأينا صور التشيكي جوزف كوديلكا، ورانيا مطر، والزميل مروان طحطح، ورالف الحاج وأخرى في معارض جماعية أقامتها «دار المصوّر»، كما نشرت دار «كاف» كتاباً «حول الفوتوغرافيا في لبنان». مطلع السنة، دعي الجمهور إلى اكتشاف المتحف الوطني في بيروت من خلال دليل «شو هيدا؟» لأنابيل ضو. وفيما احتفلت وزارة الثقافة بعودة خمس قطع أثرية مسروقة إلى المتحف الوطني، خسرت بيروت معلماً تاريخياً بعدما سمح وزيرها غطاس خوري بتفكيك السور الروماني في منطقة الباشورة. قرار فادح يضاف إلى «الإنجازات» الثقافية الرسمية في البلاد!