ذات مرّة، قال المعلّم البريطاني ألفريد هيتشكوك إنّ «الفيلم الجيّد هو الذي إن حُذف منه شريط الصوت بالكامل، يظلّ المشاهد مستمتعاً به». غالباً، تنطبق هذه القاعدة الصعبة على فيلم «الرسالة» (1976 ــ بطولة عبد الله غيث، ومنى واصف، وأنطوني كوين، وأيرين باباس، وديميان توماس، وغيرهم) بنسختيه الهوليودية والعربية للراحل السوري مصطفى عقاد (1930 ــ 2005).تلك ليست مصادفة عابرة، فصاحب البصمة السورية حول العالم عمل مساعداً لهيتشكوك في بداياته، ولعلّ حياته تصلح اليوم أن تكون موضوعاً لفيلم سينمائي، كونها مليئة بالإثارة والفواصل الدرامية الاستثنائية، بدءاً شغفه بالشاشة الفضيّة ورغبته السفر إلى الولايات المتحدة ليتعلّم صناعة الفن السابع، ثم تلقّيه عند بوابة المطار 200 دولار أميركي وقرآناً من والده ليؤنس وحدته، وصولاً إلى ما أنجزه مع كبار الممثلين الأميركين وجال به الكوكب، وأخيراً النهاية المؤلمة يوم اغتيل بطريقة مفجعة في أحد فنادق الأردن قبل أشهر من موعد تكريمه في الشام.
المفارقة أنّ العقاد رحل وفي نفسه أمنية أن تجول أفلامه الصالات العربية، لكن نجله مالك كان أميناً على الوصية! فكما حافظ والده على اسمه ورفض أن يغيّره في أميركا بغية تحسين فرصه في البدايات لأنّه ورثه من أبيه، تواتر هوس السينما من صاحب «أسد الصحراء» إلى قلب مالك الذي يعمل مخرجاً ومنتجا في الولايات المتحدة. وقد تمكّن أخيراً من إنتاج نسخة مرمّمة من «الرسالة» (وفق الجودة الرقمية 4k)، وقرّر أن يعرضه في عدد من العواصم العربية، من بينها دمشق.
الشريط الذي ما زال يشكّل علامة فارقة في تاريخ السينما العربية، ورُشّح إلى جائزة «أوسكار» عن أفضل موسيقى تصويرية، عُرض أوّلاً في عيد الفطر في صالات خليجية، قبل أن ينتقل الشهر الماضي إلى بيروت، وهو يستعد اليوم ليحط في «سينما سيتي» (دمشق) ضمن عرض خاص (19:00). هذا العرض من تنظيم الجمعية السورية «الفينيق المستدام» (تديرها ديما عقاد، إبنة أخ مصطفى عقاد)، يليه آخران بعد غدٍ الخميس في «مدرّج جامعة حلب»، وثالث في 28 تموز (يوليو) الحالي في «المركز الثقافي الجديد» في اللاذقية، على أن تنفرد «سينما سيتي» بعرضه التجاري في صالاتها لمدّة أسبوع اعتباراً من بعد غدٍ الخميس.
في حديثها مع «الأخبار»، تقول ديما إنّه «بعيداً عن أّنني ابنة هذه العائلة ويعنيني أن أكون حريصة على إرثها الفني، فإنّني أحاول دائماً الامتثال لأهداف جمعيّتنا السياحية المعنية بصورة سوريا لدى كلّ من هم خارج حدودها، وتؤمن بأن كلّ من سافر من أبناء شعبها هو بمثابة سفير مهمّته نقل حضارتها وتعميم ثقافتها».