بعد أكثر من ست سنوات من التغييب، وتحديداً منذ بدء الأزمة السورية، وقبلها الحراكات الشعبية في مصر وتونس، وليبيا، عادت القضية الفلسطينية اليوم من الباب الأوسع عربياً وإعلامياً. بعد تغييب مقصود لبوصلة القضايا، والتغطيات الظرفية لأحداثها، ولانتفاضاتها الشعبية المتكررة في وجه المحتلّ الصهيوني، أتى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس، باعترافه بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، وبنية نقل السفارة الأميركية إليها، ليستنهض القوى النائمة.
استنهاض طال الزعماء العرب، الذين راحوا يوزعون بياناتهم يميناً ويساراً، تحذيراً، وقلقاً، وأوقد على الصعيد الشعبي، شعلةً كانت مطفأة في السنوات الخوالي، ذهبت ضحية الصراعات السياسية، والتخندق المذهبي في المنطقة.
اشتعلت المناطق الفلسطينية غضباً، وأعلنت الفصائل هناك، إضراباً عاماً في البلاد، وأطلقت «حماس»، دعوة الى «انتفاضة جديدة»، واحتلت وسوم «القدس»، باللغتين العربية والإنكليزية موقع تويتر، حاشدة ملايين التغريدات المندّدة بقرار ترامب، والمتمسكة بالقدس عاصمة أبدية لفلسطين. وضعت الخلافات العربية - العربية، جانباً، وتوحد الكلّ تحت راية «القدس».
في الساعات الأولى للإعلان عن القرار، اتشح موقع «الجزيرة» الإلكتروني بالسواد، وتصدرت صورة «قبة الصخرة» غلاف موقعها.

انهمرت دموع لقمان أحمد على الهواء، بعد سماعه قرار ترامب الجنوني
تغطية حيّة ومباشرة، مستمرة منذ ذاك الوقت، استنفرت فيه القناة القطرية، أطقمها في فلسطين. تحت عنوان «#القدس_نكبة_جديدة»، عنونت الشبكة تغطيتها الخبرية المتواصلة، وربطت بين قرار ترامب، والتبشير بشرارة انتفاضة جديدة، في الأراضي المحتلة. وفي الوقت الذي انهمرت فيه دموع مراسل bbc في واشنطن لقمان أحمد تأثراً على الهواء، بعد سماعه قرار ترامب الجنوني، كانت تغطية «العربية»، تتأرجح بين ملفات سوريا واليمن، وفلسطين. بدا لافتاً تغطية القناة السعودية لتصريحات أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، بعيد التشنجّ الواضح بين قطر والسعودية المستمرّ منذ أشهر، وتركيز الشبكة على صعوبة إعادة إحياء «عملية السلام». في تقارير سريعة ومقتضبة، عرّفت «العربية»، بالقدس وبأبرز القرارات الدولية بشأنها. سلسلة تقارير أخرى، عرّجت على المؤتمرات التي جمعت الجانبين الصهيوني والفلسطيني، من «مدريد» (1991)، مروراً بـ «أوسلو» (1993)، وليس انتهاء بقمة بيروت (2002). جردة مرت عليها، القناة السعودية، لإيصال رسالة مفادها أن «القدس والخلاف عليها أعاق كل مفاوضات الحل». بعد التركيز على «عملية السلام» وإعلان وأدها نهائياً، دخلت«العربية» حالة نوستالجيا مصرية هذه المرة، استذكرت فيها مواقف خلطت فيها بين مواقف الزعيم جمال عبد الناصر، وأنور السادات (في خطاب الكنيست 1977)، وصولاً الى حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي حول القدس. نبض مختلف شهدناه على شاشات خليجية تحديداً شطرت عن بعضها قبلاً بفعل ملفات مفصلية في المنطقة، وتوحّدت اليوم تحت خيمة واحدة، ولو أنّ ذلك يندرج ضمن الخطاب التعبوي والشعبوي. مشهدية تتقاطع اليوم، مع شاشات تناوئ خط الإعلام الخليجي، على رأسها شبكة «الميادين»، المثابرة دوماً على مواكبة الحدث الفلسطيني، وتخصيص مساحات شاسعة لهذه القضية، حتى في زمن التخاذل الإعلامي العربي. إذ حضرت أيضاً، بقوة، عبر تغطية مفتوحة لما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتداعيات قرار ترامب. تحت هاشتاغ: «#القدس_عربية»، مذّيلة بصورة لفلسطيني مقدسي، مع إزالة تامة لعبارة «القدس» بالعبرية، رسمت شاشة «الواقع كما هو»، شعار هذه المرحلة، متجاهلة قرار الرئيس الأميركي على اعتبار أن «القدس أكبر من مدينة، وأهم من عاصمة»، وأهم من «كل القرارات».