العزلة الاختيارية للروائي السوري حيدر حيدر (1936 ــ الصورة) في قريته حصين البحر (طرطوس)، أبعدته عن الضوضاء، لكنها لم تبعده عمّا يجري في البلاد، إذ فاجأنا برواية جديدة تحت عنوان «مفقود» وثّق خلالها موقفه من الحرب القذرة التي أفرزها «ربيع أسود خلخل الروح والعقل واطمئنان السراب البرّاق الذي كنّا نحيا في ظلاله الخادعة».
وإذا بالحرب تعرّي الجذور العفنة والأحقاد الطائفية والفساد والهمجيّة. حكاية جندي سوري يقع في قبضة جماعة تكفيرية، لكنه يتمكّن من الهرب ويختبئ في بيت صديق له، من طائفة أخرى، إلى أن يعود إلى بيته، بعد قرابة سنة من الاختفاء. في هذه الرواية، يفكّك صاحب «وليمة لأعشاب البحر» أسباب الدمار وجراثيم الكراهية، و«الزلزال الداخلي للروح والعقل»، ليكتشف أن سنوات الحفر عن «التبشير بالتنوير خلال نصف قرن، نوع من العبث واللاجدوى». من جهةٍ ثانية، أصدرت «الهيئة العامة السورية للكتاب» أخيراً، الأعمال القصصية الكاملة لحيدر حيدر في مجلد ضخم، ضمّ خمس مجموعات قصصية هي «حكايا النورس المهاجر» (1968)، و«التموّجات»، و«الوعول»، و«الومض»، و«غسق الآلهة» (1995). إتاحة هذه الأعمال لقرّاء اليوم، فرصة لاستعادة الروح الشعرية النزقة التي طبعت أعمال هذا الكاتب الذي طالما تمرّد على ما هو مستقر بجموح لغوي شرس، وضعه في منطقة سردية خاصة.