عاد جان شمعون (1944 ـــــ 2017) من باريس في عام 1974. أنهى دراسة السينما في العاصمة الفرنسية، ووصل الى بيروت المستعدة آنذاك لبداية الحرب الأهلية. الحرب فرضت واقعاً جديداً صادماً نقله شمعون في عدسته. بمواكبة آخرين كجوسلين صعب، رندة الشهال، مارون بغدادي، وبرهان علويّة، وزوجته مي المصري التي رافقته إخراجاً وإنتاجاً في جميع أعماله.
هؤلاء صنعوا مساراً مختلفاً للسينما اللبنانية. اختلف ومي عن جيله، في أنهما لم يكتفيا باكراً من التجربة الوثائقية. استمر في العمل على الأرض والتعامل بعدسته مع الواقع سنوات طويلة قبل أن يخرج عمله الروائي الأول «طيف المدينة».
منذ أعماله الأولى، دارت ثيمات جان شمعون حول الحرب، وجنوب لبنان خلال الإحتلال، والقضية الفلسطينية. قارب هذه المواضيع من جوانب مختلفة، بخاصة الجانب الإنساني، أو تأثير هذه الأحداث على الفرد، والطفل، والمحارب، والمرأة... لم يخف توجهه السياسي، ولا أفكاره، ولا شعوره أحياناً إزاء المواضيع التي يصوّرها. بل إنّه اقترب كثيراً مما يصوّره، اقترب أكثر من الصحافيين، من الخطر ومن المأساة.
البدايات كانت مع وثائقي «تل الزعتر»، (1976) الذي أنجزه مع المخرج الفلسطيني الرائد مصطفى أبو علي وبينو أدريانو. شهادات من أيام الحصار والمعارك لمسعفين طبيّين، نال عنه عام 1978 جائزة لجنة التحكيم لمهرجان قرطاج وجائزة مهرجان «سينما فلسطين».
قد يكون جان شمعون من أكثر صنّاع الأفلام الذين صوّرت أعمالهم المرأة ويومياتها وحالتها في خضّم جميع تلك الأحداث: مع نساء الجنوب في «زهرة القندول» عام 1985، والطبيبة في الجنوب في «رهينة الإنتظار» عام 1994... وكفاح عفيفي، وسهى بشارة والأسيرات المحرّرات من معتقل الخيام في «أرض النساء» (2004)، ووداد حلواني في «أحلام معلّقة».
عمله الروائي الطويل والوحيد «طيف المدينة» عام 2000، كان جامعاً لكثير من القصص القصيرة التي عاشها شمعون مع أبطال أفلامه التسجيلية. قضية المخطوفين أو قضية المفقودين وذويهم، المقاتلون، الأطفال، الأمهات. اقترب من هذه الشخصيّات في «أحلام معلّقة» (1992)، و«بيروت، جيل الحرب».

أكثر مَن صوّر
المرأة وحالتها في خضم الأحداث
(1989). وهذان العملين خاصان جداً في عرض يوميات الحرب الأهلية، ومعالجة تأثيرها على كل فرد على حدة. الأول يوثّق التساؤلات والمشاعر الأولى في الفترة التي أعقبت إعلان انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار وفتح المعابر، ومباشرة إعادة الإعمار. كان جان شمعون وفياً لجميع هذه القصص ولأبطالها في فيلم «طيف المدينة». حتى إنّه عالج الجانب الفاسد للحرب، والزعامة، والتصفيات، والصفقات على حساب الناس. اختتم فيلم «طيف المدينة» بمشهد جولة لأمراء الحرب في سياراتهم، ينتقلون من الشارع الى عالم الأعمال والمشاريع.
إضافة الى الأعمال العديدة التي أخرجها، فهو أنتج أعمالاً أخرجتها رفيقة دربه مي المصري منها «أطفال شاتيلا»، و«أحلام المنفى»، «بيروت حقائق وأكاذيب».
يمكن النظر الى أفلام جان شمعون على أنها أداة لإنعاش الذاكرة. هي مدخل لإستكمال التوثيق والنقاش حول العديد من القضايا والأحداث التي حصلت في لبنان، وطبعت حقبة من ذاكرة أبنائه وما زالت آثارها ظاهرة على واقع البلد وراهنه.





يُصَلّى عن راحة نفس السينمائي الراحل جان شمعون يوم السبت 12 آب/ أغسطس الجاري في كنيسة مار تقلا الحازميه، عند الحادية عشرة قبل الظهر. وتُقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة. كما تُقبل التعازي يوم الأحد 13 آب/ أغسطس في «جمعية خرجي الجامعة الأميركية» - الوردية، بيروت، بين العاشرة صباحاً والسابعة مساءً.