تجمع الاحتفالية المسرحيين الذين شغلوا الساحة الفنية طوال السنوات الـ 25 الأخيرة. وهذا سبب دعوتهم، وفق نضال الأشقر، إذ أنّ الحدث الضخم يعد بمثابة تذكر الوجوه والتجارب المسرحية المختلفة التي صنعت ألق المسرح اللبناني إخراجاً وتمثيلاً وكتابة في السابق. تلك الوجوه ربما لا تعرف أجيال اليوم عنها أكثر مما بقي في الذاكرة الجمعية عنها. من ناحية أخرى، فإن هذا اللقاء هو فرصة لإلقاء نظرة بانورامية على ما وصلت إليه الحركة المسرحية المعاصرة، وإن لا تزال معالمها غير واضحة أو مكتملة حتى اليوم. طبعاً لم يستطع كل المسرحيين المدعوين المشاركة في العمل، إلا أن معظمهم قدموا عروضاً جديدة (قام «مسرح المدينة» بانتاجها)، بعضها أنجز كتحية رمزية للمسرح في عيده. تستعيد بعض المسرحيات نصوصاً كلاسيكية من المسرح العالمي، مقابل ضآلة محاولات الكتابة المسرحية المحلية.
بين التجريب والبناءات الدرامية الكاملة، سنشاهد أعمالاً بسيكودرامية ومونودرامية، بينما تنصرف أخرى إلى محاكاة مجتمعات العنف الراهنة، والذاكرة والخسارات الفردية. على البرنامج عروض دمى (راجع الكادر)، وفرق تجريبية شابة كما «زقاق» (راجع الكادر الآخر في الصفحة)، إلى جانب عروض متعددة الوسائط، ومشاركات أدائية مختلفة.
الافتتاح سيكون مع «الملك يموت» (14/10 ــ س: 20:30) بتوقيع الصحافي والتشكيلي والمخرج المسرحي اللبناني فؤاد نعيم. لهذا العمل الذي كتبه المسرحي الروماني الفرنسي أوجين يونسكو عام 1962، أهمية كبيرة في تطوّر المسرح اللبناني. عام 1965، خرجت المسرحية إلى الضوء بتوقيع منير أبو دبس مع «فرقة المسرح الحديث»، وبترجمة واقتباس الشاعر أنسي الحاج وكانت بمثابة انطلاقة أنطوان كرباج الممثل، بعدما أدى دور الملك حين قدّمت عروضها في بيروت ودير القمر. نعيم الآتي من خلفية في التصوير السينمائي، رسّخ تجارب متفرّدة في الإخراج المسرحي مثل «البكرة» (1973) عن نص تيريز عوّاد بصبوص، و«أنتيغون» (المتمردة) لسوفوكل، اقتبسها الشاعر بول شاوول، و«الحلبة» (1991) عن نص لشاوول.
«بيروت غيابياً» لروجيه عساف يستعيد مقتطفات من تاريخ العاصمة خلال الخمسينيات والستينيات

لكن هذه المرة، ستتاح لنا رؤية ترجمته وتوليفه وإخراجه لأشهر نصوص يونسكو، حول ملك ينهار يوماً بعد يوم، بينما يواجه الموت الذي لا تستطيع سلطته إيقافه، يؤديها جورج خباز، وباتريسيا سميرة، وبرناديت حديب، ومي أوغدن سميث، وموريس معلوف، ووليد جابر، برفقة الموسيقيين محمد عقيل ونبيل الأحمر وعماد حشيشو. روجيه عساف أحد ضيوف المهرجان أيضاً. المسرحي المعروف، الذي رافق تطور المحترف المسرحي اللبناني منذ «المركز الجامعي للدراسات المسرحية»، و«محترف بيروت للمسرح»، وصولاً إلى «جمعية شمس» أخيراً، كان أحد صانعي خشبة بيروت، وأكثر الممثلين تميزاً إلى جانب تجارب لا تنسى في الإخراج مثل «السيد» لكورناي عام 1965، و«الآنسة جولي» لسترندبرغ نهاية الستينيات أيضاً. في الفترة الأخيرة، دعم عساف مسرحيين شباناً أمثال عصام بو خالد وربيع مروة، حيث مثل تحت إدارتهم ليعيد التجربة هذه السنة مجدداً في «عشق» لارا قانصوه. في «بيروت غيابياً» (16/ 10 ــ س: 80:30)، يستعيد عساف مقتطفات من تاريخ بيروت خلال الخمسينيات والستينيات. البطلة الرئيسية في العرض متعدد الوسائط هي بيروت. الشاعر أنسي الحاج والناقد نزيه خاطر هما البطلان الثانويان اللذان سيعرض حوارهما المصوران مع روجيه عساف عام 2012 على المسرح. سيكون الأخير بمثابة مقدّم للعرض، إلى جانب أغنية مسجلة بصوت دالين جبور. هذه التوليفة الأدائية ستتوقف عند الحياة الثقافية والفنية والشعرية والتشكيلية لعصر بيروت المتألق، من خلال شخصيتين الراحلتين رافقتا تلك الفترة وساهمتا في نهضته.
يعد ناجي صوراتي من الجيل الناشط في المسرح حالياً أكان من الناحية الأكاديمية أو الاحترافية. بعد «ذرّة رمل في عين شمس» (2012) و«الواوية» (2013) المقتبسة عن نص المسرحي الألماني برتولت بريخت، يعود صوراتي بـ «جيوغرافيا» (18/ 10 ــ س: 20:30) الذي لا ينفصل عن اللحظة السياسية الراهنة. انطلاقاً من الجغرافيا كعلم يدرس ظواهر سطح الأرض الطَّبيعيّة وتوزع الحيوات النباتية والحيوانية والبشريّة وممارساتها عليها، يفلش المخرج اللبناني خرائطه. تعد الأخيرة نتيجة اختبارات صوراتي على هذا العلم أمام المدينة والمسرح والجسد والعقل على ضوء التحولات التاريخية الكبرى، وتؤديها كل من كورنيليا كرافت وهالة المصري، وهشام الحلاق، ومحمد خضرا، وفراس بوزين الدين، وجواد المولى. لينا خوري المخرجة التي صنعت مسرحاً لكل الناس، من دون أن تتنازل عن قيمة العمل عبر تطويع نصوص مقتبسة لنقد قضايا اجتماعية وسياسية راهنة، تقدّم لنا «بانتظار العرض ــ بانتظار غودو» (18/ 10 ــ س: 22:00). العمل عبارة عن مشهدين يقارنان بين حالة انتظار العرض المسرحي (مقتبس عن نص للاسكتلندي إيريك كوبل)، وحالة انتظار مسلسل لبناني على شاشة التلفزيون (كتابة غبريال يمين).
طبعاً يتخذ العرض مسافة نقدية من الدراما اللبنانية ضمن قالب فكاهي، يقدمه خريجون جدد من الجامعة اللبنانية مع زملاء من الجامعة اللبنانية سيؤدون المشهدين (18/10 ـــ س: 22:00). تنصرف لينا أبيض إلى مناخات شخصية عميقة في «الصوت البشري» (20/10 ــ س: 22:00) الذي اقتبسته عن نص للكاتب والشاعر الفرنسي جان كوكتو بالعنوان نفسه (1927). المسرحية التي ألهمت المعلم الإيطالي روبرتو روسيليني في فيلمه L'Amore عام 1948، هي مونودراما عاطفية ستؤديها رندا كعدي برفقة غنائية لغادة غانم. توغل المسرحية في مشاعر العذاب الناتج عن انقضاء الحب، وأجواء الخسارة والغياب والعاطفة المدمرة للذات. بعد اتصالها بحبيبها السابق للمرة الأخيرة، وفشلها في ترميم ما تهشم بينهما، يقودنا العمل إلى سيكولوجية امرأة على حافة الانهيار. ليس غريباً أن تحضر العوالم الداخلية للنساء في «كيفك يا ليلى» (20/10 ــ س: 20:30) لميشال جبر. شكلت النساء ملمحاً أساسياً ودافعاً لعدد من مسرحياته ضمن معالجات بسيكودرامية، وأخرى ضمن قوالب فكاهية خفيفة آخرها مونودراما ساخرة بعنوان «بلا تحشيش». في هذه الدراما النفسية التي كتبها وأخرجها جبر، لن تكون سهلة عودة الممثلة ليلى (تؤديها نيللي معلوف) إلى المسرح بعد غياب طويل، لأسباب وظروف عائلية. سيضعها اعتلاء الخشبة مجدداً وجهاً لوجه مع حياتها المتناقضة والممزقة، التي تتماهى مع دور شخصية المرأة البدينة التي تؤديها عن طريق الارتجال بناء على طلب المخرج. سحر عساف تعود إلى إرث الكاتب الإسباني ميغيل دي ثرفانتس في ذكراه الـ 400 هذه السنة. رواية «حوار الكلاب» محور مسرحيتها التي تحمل العنوان نفسه (21/10 ــ 20:30). أربعة ممثلين هم سحر عساف، وسني عبد الباقي، ورافي فغالي، وفداء غبريل وعساف، سيقدمون العمل بعدما نقلته الأخيرة إلى العربية وأخرجته. إننا في «مستشفى القيامة» في اسبانيا القرن السادس عشر. الكلبان بيرجانثا وثيبيون سيرويان حكايات وقصصاً متشابكة في حوارهما الفلسفي والاجتماعي الطويل أثناء حراستهما للمستشفى في إحدى الليالي. بعد نجاح «فينوس» دافيد آيفز العام الماضي، يخرج جاك مارون نصاً مسرحياً للكاتبة الأميركية إلاين ماي بعنوان The Way of All Fish اقتبسه غبريال يمين بعنوان «إخت الرجال» (19/10 ــ س: 22:00). تتصاعد أحداث العمل، حين تدعو مديرة المؤسسة (نوال كامل) سكرتيرتها (ديامان بو عبود) إلى العشاء في المكتب ذات ليلة، بعد أن يلغى موعدها في الخارج. وبسبب تأثير الكحول على السكرتيرة، تفصح عما كانت تخبئه طوال تلك الفترة. تشارك مديرتها طريقتها الوحيدة إلى الشهرة المنشودة، وهي أن ترتكب جريمة بإحدى الشخصيات المشهورة. يتطوّر الحوار في هذه الدراما السيكولوجية الاجتماعية (40 د)، ضمن قالب كوميدي وساخر يظهر صراع القوة في المجتمعات. لقاء الختام المسرحي سيكون مع نضال الأشقر. ربما اختارت أن تستعيد فصولاً من سيرتها وذكرياتها في هذه المناسبة الاستثنائية، رغم عودتها قبل سنوات إلى الخشبة في «الواوية» (2013) لناجي صوراتي. «مش من زمان» (26/10 ــ س: 20:30) سيكون فرصة لإعادة اكتشاف نضال الممثلة والكاتبة، والمخرجة، بالتعاون مع الموسيقي والممثل خالد العبدالله الذي سيؤدي العمل معها، برفقة الموسيقي زياد الأحمدية وفرقته. مشوار الطفولة والماضي سينفتح أمامنا، لكننا لا نعرف ما إذا كانت ذكريات الصبية الصغيرة في بيت أهلها في الجبل هي حقيقة أم مجرد خيال. على الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم وبين الخيال والوقائع، تتوالى الذكريات والحكايات والقصص وصولاً إلى الحاضر لتصلنا بالسؤال التالي: هل حدث ذلك فعلاً؟ رغم طابعه الاحتفالي، سيقدم الحدث لمحة مقربة عن واقع المسرح اللبناني على صعيد الإخراج والكتابة والتجريب والتأثرات والاقتباسات.



رقص معاصر ولذة الحبّ

خلال مؤتمر إطلاق «مسرح المدينة ــ إحتفالية 20 سنة»، شاهدنا مقتطفات من «بين السلاسل» للمصمم والراقص الشاب بيار جعجع. هذا العرض الذي يجمع الرقص المعاصر والدمى ولغة الإشارة، سيقدّم بنسخته الكاملة ضمن الإحتفالية (22/10 ــ س: 20:30)، بمشاركة الراقصين ألين كيروز، كارول أيوب، حبيب فواز وجو رشماني إلى جانب جعجع. العرض الأدائي الذي يسلّط الضوء على حقوق الأشخاص الصمّ، يبرز ضرورة خلق الروابط والتواصل بين الأفراد والعالم الخارجي. محرّضة على ضرورة الصلة بين الأفراد، تستند حركات الراقصين إلى رمزية اللغة بهدف ضمان اندماج الصمّ وقبولهم في المجتمع على أساس المساواة مع الجميع. محطة أخرى مع الرقص المعاصر ضمن الحدث الكبير، لكن هذه المرة في «الحب لذة» (16/ 10 ــ س: 22:00) للراقصة والمصممة اللبنانية ندى كنعو التي صممته انطلاقاً من عبارة سبينوزا: «الحب لذة مصحوبة بفكرة علّة خارجية». يؤدي العرض البصري الراقص كل من شادي عون وسيندي جرماني، ترافقهما مشاهد أنيميشن من تصميم الإيراني رضا عابديني، الذي صنع منها مرادفاً بصرياً لبعض نصوص سبينوزا.