تعكس أفلام مي المصري رؤيتها للحياة وطريقة مقاربتها لها. المخرجة الفلسطينية القادمة من نابلس، تتحدث لغةً سينمائية أقرب إلى الناس من أي شيءٍ آخر. مخرجة «أطفال جبل النار»، و«أطفال شاتيلا»، و«أحلام المنفى»، باتت واحدةً من أكثر المخرجات الفلسطينيات شهرة ولو أنّها لا تريد ذلك ولا تتقصده. قدمت المصري «أطفال جبل النار» في محاولة للعودة إلى مدينتها التي أتت منها أصلاً. مكنها من ذلك «جواز السفر الأميركي» الذي تحمله. فهي كفلسطينية عائدة (من لبنان أو عمّان لا فرق)، لا يمكنها الوصول إلى مدينتها الأم «نابلس» رغم أنّها زارتها أول مرّة في عام 1976. بعد ذلك، عادت لتقترب من المعاش اليومي الفلسطيني للعائدين من خلال «أطفال شاتيلا» مقاربةً البعد ذاته الذي طرقته في «أطفال جبل النار». بعد سنوات، حاولت الجمع بين أطفالٍ فلسطينيين يعيشون في لبنان، وأقرانهم الذين يعيشون في الداخل الفلسطيني (تحديداً مخيم الدهيشة) في فيلم «أحلام المنفى». بدا المنطق في الأفلام الثلاثة واحداً، ولو أنّ هناك فاصلاً زمنياً بينهم. في عام 2006، قاربت مصري لبنان وأحداثه بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، من خلال فيلمها الوثائقي «يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب» (80 د ــ 12/5). لم تتبن رأياً وقتها، كما لم تأخذ طرفاً، بل عرت القصةّ بأكملها وعلى طريقتها. وفي العام الفائت، قدمت فيلمها الروائي الأوّل «3000 ليلة» في إطارٍ درامي مزجت فيه بين الواقعي المستوحى من حياة المناضلتين روضة البصير وتيريز هلسا، والمتخيّل وإن بالروح الوثائقية نفسها التي تميّزها.تتقن المخرجة الفائزة بالعديد من الجوائز العالمية أربع لغات (الفرنسية، الإنكليزية، الإسبانية والبرتغالية) إضافة إلى لغتها الأم. مزج مدهش للغات، فضلاً عن حياة مكوكية عاشتها، منذ ولادتها في عمان عام 1959، إلى انتقالها إلى الجزائر مع عائلتها عام 1963، ثم طفولتها وشبابها في لبنان، فدراستها في أميركا (سان فرانسيسكو تحديداً)، ثم عودتها إلى لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وتنقلها حتى اللحظة بين أكثر من عاصمةٍ عربية (للعمل أو العرض أو التصوير). شكلت هذه التجارب بنياناً ومزجاً ثقافياً غنياً جعلها مخرجةً بالفطرة والسليقة تقدر على جمع آمال الناس وأحلامهم وحتى أسئلتهم في شريطٍ سينمائي، يقول شيئاً ويبحث عن إجاباتٍ لأشياء أكثر. تقول السينما عند المصري أشياء كثيرة، من ملاحقتها للتفاصيل، إلى البحث المكثّف والمتأني إلى الكاميرا التي تريدها دقيقةً وإن «حانية» في كثيرٍ من الأحيان.
على الجانب الآخر، يخطئ كثيراً من يحاول الفصل بين مي المصري وزوجها المخرج اللبناني جان شمعون. أعمالهما (سواء المنفردة أو المشتركة) لا تنتهي بمجرّد توقيع اسم على الفيلم، فالمخرجة تتولى مهماتٍ إنتاجية ولوجستية وإخراجية في الأعمال التي يشار إلى أنَّ شمعون أخرجها، والعكس صحيحٌ أيضاً. منذ اللقاء الأوّل الذي جمع المخرجة القادمة من أميركا وتكلل بالزواج في عام 1983، لم يفترقا فنياً وشخصياً. يعاني أي محاولٍ للفصل والتمييز بين أسلوب الكاميرا وحتى الإخراج كثيراً، فحركة الكاميرا متقاربة، فضلاً عن أسلوب السردية وحتى مقاربة القصّة بحدّ ذاتها. ربما حتى يمكننا القول بأنَّ ثنائية المصري وشمعون هي واحدة من أكثر الثنائيات الإخراجية العربية تمازجاً وتوحّداً. تقارب بذلك تجارب الإخوة واتشاوسكي (أصحاب سلسلة أفلام الـ «ماتريكس») والإخوة كوين (أصحاب No country for old men) وكثرٍ غيرهم.