عثمان تزغارتعلى مدى ربع قرن، وعبر 15 فيلماً سينمائياً طويلاً، فرض المعلّم الفنلندي آكي كوريسماكي (1957) مكانته كأحد أكبر صنّاع الفن السابع، وذلك على الرغم من أنّه حين تقدّم إلى معهد السينما في مسقط رأسه في هلسنكي، وهو في سن العشرين، رسب في الامتحان، ولم يُقبل بسبب رؤاه المسرفة في السوداوية، الأمر الذي جعله يتجه، لبعض الوقت، نحو موسيقى الروك، حيث أسّس فرقته الشهيرة Liningrad Cowboys التي ما زال يعزف فيها حتى الآن. وقد اقتبس لاحقاً من تجربته فيها فيلميه الشهيرين Liningrad Cowboys go America في عام 1989، وLiningrad Cowboys meet Moses في عام 1994.
المعلّم الذي يعود إلى دائرة الضوء في مناسبة صدور كل أعماله على dvd، دخل المجال السينما عصامياً، وبدأ ممثّلاً ثم كاتب سيناريو في أعمال شقيقه الأكبر ميكا كوريسماكي، وكان في الوقت ذاته يعمل في مهن يدوية بسيطة ومتواضعة بهدف كسب قوته، فعمل كنّاساً وعامل بناء وساعي بريد. ومن عوالم المهمّشين والعمال الفقراء التي عايشها في شبابه، اقتبس صاحب {أضواء الحي} شخوص أفلامه كلها.
في عام 1983، أُتيحت له الفرصة لإخراجه عمله الأوّل، فاختار رهاناً صعباً: اقتباس {الحرب والسلم} لدستويفسكي في فيلم لا تتجاوز مدته ساعة ونصف! وعرف الشهرة والنجاح على الفور. لكنه قرّر أن يسلك منحى مغايراً تماماً، فابتعد عن السينما الملحمية الكلاسيكية، واتجه نحو الفكاهة العبثية التي استطاع من خلالها أن يكتسب ملامحه الأسلوبية الخاصة ذات المنحى المينيمالي، حتى بات يُلقّب بـ{بيكيت السينما}.
ومن أبرز أعماله التي صدرت أخيراً في سلسلة من أشرطة {دي في دي} بعنوان {كل آكي كوريسماكي} (دار Pyramides ـــــ باريس): {ظلال في الجنة} (1986)، و{الحياة البوهيمية} (1992)، و{إلى البعيد تحلّق الغيوم} الذي حقق نجاحاً عالمياً في عام 1996، بعد عرضه في مهرجان {كان السينمائي} و{جحا} (فيلم صامت صوّره بالأبيض والأسود ـــــ 1999)، و{رجل بلا ماض} الذي نال عنه الجائزة الكبرى في مهرجان {كان} 2002 ورُشّح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2003. إلا أنّ كوريسماكي رفض الحضور احتجاجاً على السياسة الخارجية للرئيس الأميركي جورج بوش، وكرّر احتجاجه ذلك عندما رفض ترشيح فيلمه {أضواء في الغسق} (2006) للأوسكار أيضاً.