لم تحضر المرأة طرفاً وشريكاً، بقدر ما حضرت كـ«أنثى» مستعادة من الأيقونة الاستشراقيّة. لعلّها ترسّبات الوجه «الاستعماري» لـ«الفرنكوفونيّة»
سناء الخوري
خيّم طيف المرأة على «المعرض الفرنكوفوني للكتاب في بيروت». لكن ليس أيّ امرأة بل المرأة الشرقيّة. بالطبع، لم تحضر المرأة الشرقيّة بكلّ تحدّياتها وصراعاتها الاجتماعيّة السياسيّة والعاطفيّة، بل حضرت المرأة ـــ الأنثى التي حرّكت إلهام المستشرقين، فنّانين وأدباء. هذه المرأة تحديداً حضرت بقوّة في المعرض، رغم العدد الكبير من الأديبات والباحثات اللواتي حاولن جاهداتٍ كسر هذه الصورة النمطيّة. على سبيل المثال، يرى الأديب والمخرج الفرنسي أليكساندر جاردان (1965) أنّ «كلّ امرأة رواية» كما يقول عنوان روايته التي وقّعها أخيراً في «بيال».
بعدما كتب عن حياته العائليّة مطوّلاً في أعماله السابقة، عاد جاردان ليكتشف أنّ كلّ ما تعلّمه في الحياة كان بفضل النساء. عندما يتحدّث جاردان عن الحبّ والمرأة، يجعل النّساء يحلمن. فكلّ امراة بطلة رواية لكنّها لا تعي ذلك. هذه خبرته في الكتابة على أي حال، فكل شخصيّات روايته نساءٌ مررن في حياته: من أمّه التي ضبط لديها بطاقتين حزبيتين، واحدة يساريّة وأخرى يمينيّة، مروراً بمعلّمة الرياضيّات في المدرسة الابتدائيّة، إلى زوجته التي ترافقه منذ كان عمره 23 سنة وله منها 5 أولاد.
كتابه إذاً تحيّة للمرأة التي كانت مدرسته الحقيقيّة في الحياة. مسلّمات جاردان في الحياة هي على ما يبدو العائلة، المرأة، الحبّ. فابن العائلة السياسيّة والأدبيّة العريقة منبهر بالمرأة لأنّها تتعامل مع مصاعب الحياة بليونة. منذ بدأ الكتابة بعد وفاة والده والحبّ يسكن كتبه، لكنّه لا يحبّ الأساطير الغربيّة أو قصص الأميرات التي تنتهي عند لحظة اللقاء ولا تتحدّث عن علاقة الثنائي بعد تلك اللحظة. متعة العلاقة بالنسبة إليه تكمن في القدرة على إضفاء بعض الإبداع والخلق على روتين الحياة اليوميّة.
يبدو جاردان مناصراً كبيراً لقضايا المرأة، لكنّ الرجل الذي يكتب في «لو فيغارو» ذهل لدى رؤيته النساء اللبنانيّات الجميلات! وهو لم يرَ في لبنان الذي يزوره للمرّة الثانية ذلك العالم المقموع والمكبوت جنسيّاً كما يصوّره الإعلام الغربي بل رأى مجتمعاً زاخراً بالإيحاءات الجنسيّة. «الشرق ليس شرقاً حزيناً، بل شرقٌ حيويّ، وخاصةً أنّ النساء هنا لديهنّ أنوثة أكثر من النساء في فرنسا».
أما النسبة إلى كلودين رولو الذي وقّعت كتابها Islam contre Islamisme : gare aux amalgames فهي باحثة ومؤلّفة أمضت عشرين سنة إلى جانب بيار برنارد في «دار سندباد»، وساعدها عملها الطويل في الكتابة والبحث على الضفّة العربيّة من المتوسّط في إدراك أنّ المرأة الغربيّة قد لا تكون أفضل حالاً من نظيرتها العربيّة. ففي إسبانيا تشير رولو إلى أنّ سيّدة على الأقلّ تموت من جرّاء العنف الأسري كلّ يوم. كان هاجس كلودين رولو الدائم تعريف الفرنسيين على الآخر بأفضل طريقة ممكنة، المشكلة بالنسبة إليها في الوقت الحاضر هي في الخلط الكبير للمفاهيم في وسائل الإعلام الغربيّة. إذ لاحظت أنّ العلاقات القديمة بين فرنسا والعالم العربي لم تكن كافية لفهم هذا الأخير. فهناك الكثير من الأفكار المسبقة ومن ضمنها النظرة إلى المرأة. تعتقد سليلة نساء ثورة أيّار 68 أن الإسلام منفتح على قضايا الجنس أكثر من الديانة الكاثوليكيّة. فقد اكتشفت في الجزائر حيث أمضت خمس سنوات، الحريّة في الكلام عن الحياة الجنسيّة في المجالس النسائيّة، ومن الصعب بحسب رولو تفسير الازدواحيّة هذه بين الحريّة في الكلام عن الجنس سرّاً والمحرّمات المفروضة علناً.
في المقابل، تجد أنّ هذه مشكلة عامّة، فالأوربيّون الذين يناهضون تعدّد الزوجات في الشرق على سبيل المثال، هم أيضاً لا يكتفون بامرأة واحدة، بحسب تعبيرها، حيث يعشق الرجل أكثر من امرأة أخرى غير زوجته.