أخطأ ماركو مولر مدير «مهرجان البندقية السينمائي» (فينيسيا) حين رأى أنّ الدورة الـ66 ستكون الأقوى. بعد مرور ستّة أيام من عروض المهرجان، الذي يستمر حتى 12 الحالي، لم تظهر أي مفاجأة حتى الآن! حتى إنّ المهرجان يعرض أفلامه كما لو أن مديره رفض أن يَرُدّ مخرجاً إلى بيته خائباً: أربع مسابقات، 24 فيلماً في المسابقة الرئيسية، بينها فيلمان لمخرج واحد! لكنّ كل هذه الأفلام لا تصلح للتسابق في مهرجان دولي. الفيلم الذي كان يُفترض به أن يمثّل مفاجأة، جاء هزيلاً لا يرقىإلى مستوى صانعه. إنّه «ابني، ابني، ماذا فعلت؟» لفرنر هرتزوغ، الذي كان عملاقاً في أسلوب تعبيره عن الفرد ضد الجماعة في السبعينيات والثمانينات. لكن منذ مطلع هذا العقد، بات يقدّم أعمالاً إلى جمهور غير جمهوره الأصلي. يتناول العمل قصّة براد (مايكل شانون) الذي يقتل والدته فتحاصر الشرطة منزله بينما يكون داخله مع رهينتين. ما يُجبر التحري هانك (وليم دافو) على البقاء خارجاً مستمعاً إلى صديقة براد تستعيد (عبر الفلاش باك) أسباب الخلل النفسي لبراد.
شريط هرتزوغ أحالنا على فيلم آخر عُرض ضمن تظاهرة «أيام فينيسيا». إنّه «قرد» للسويدي جسبر غانسلانت، الذي يحكي قصّة رجل يقتل فردين من عائلته. ومع أنّ جسبر لا يملك خلفية هرتزوغ، إلّا أنّ فيلمه تجاوز ما قدّمه المخرج الألماني في عملَيه المعروضين ضمن المسابقة. الفيلم الثاني لهرتزوغ هو «ضابط سيّئ: مرفأ نيو أورلينز» الذي هو الفيلم عينه الذي أخرجه آبل فيريرا عام 1992. لم يكن شريط فيرارا رائعاً، لكنه كان بحثاً في أسباب الانهيار الأخلاقي الكامل لتحرٍّ في نيويورك. قيمة الفيلم الذي أصبح من الروائع الكلاسيكية، هي أنّ المخرج ربط الشخصية بمرجعيّتها الكاثوليكية متحدّثاً عن عقدة الذنب الدفينة، كما ربط كل شيء بأجواء مدينة نيويورك. لكن في نسخة هرتزوغ، لا
لا حلّ للأزمة المالية العالمية الراهنة، حسب مايكل مور إلا بالاشتراكية
وبـ «أمير الدموع» و«باريا»، يكون المهرجان قد وجّه تحيّته إلى الشيوعية، وجعل أوروبا تتصالح مع ماضيها الشيوعي، ربما تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الرأسمالية. ولعلّ شريط مايكل مور الوثائقي «الرأسمالية: قصّة حب» يذكّرنا بنبوءة الاقتصاديين الأميركيين بأنّ الإفلاس الرأسمالي سيؤدي إلى الفوز الشيوعي. شريط مور (ضمن المسابقة) يتناول الحياة الاقتصادية والاجتماعية لأميركا في الماضي والحاضر. وهو ينطلق مذكّراً بما كانت عليه أميركا: تمسّك بالرأسمالية وتعريفها بأنها الحريّة الشخصية والوطنية مقابل أي نظام إيديولوجي آخر. لكنّ مور يكشف في عمله أن الأمور بدأت تتجه نحو الحضيض حين تسلّم رونالد ريغان مقاليد الرئاسة، وسمح لطاقم اقتصادي بإحكام السيطرة على البلاد. صحيح أنّ السينمائي الأميركي لا يذكر الاشتراكية حلاً في عمله، لكنّه يترك للأميركيين الذين ارتاحوا لوصول باراك أوباما إلى السُلطة، بتصوير الوضع واعتبار الاشتراكية حلاً للمأزق المالي الذي تعانيه أميركا. ما يقوله مور عن الوضع الراهن ليس جديداً، وبناء الفيلم ليس متميّزاً، بل إنّه ليس أفضل ما أنجزه في هذا الشأن.
بعيداً عن هذا، فإنّ الفرنسي باتريس شيرو لديه أزمة من نوع آخر. فيلمه «اضطهاد» دراما أخرى يستولي عليها الإيقاع المتوتّر والأزمات الوجودية. إنّها قصة رجل يقيم علاقة مع امرأة، ثم يكتشف ميوله المثلية مع صديقه. السينما هنا تبحث في معنى السعادة وماهيتها، معتبرةً أنّ العلاقة بين الجنسين لا يمكن أن تكون الطريق إلى هذه السعادة. وهذه الفكرة موجودة أيضاً في شريط يسري نصر الله «احكي يا شهرزاد» الذي عرض خارج المسابقة.
ورغم غياب المفاجآت عن برنامج المهرجان، ننتظر باهتمام عرض شريط الإيرانية الشابّة هانا مخملباف، ابنة السينمائي البارز محسن مخملباف. يمزج «الأيام الخضراء» (خارج المسابقة) بين الوثائقي والخيالي، متناولاً الانتفاضة الأخيرة التي شهدتها إيران. ولا بد أيضاً من انتظار فيلم «لبنان» (ضمن المسابقة) لصاموئيل ماوز: دراما عن تجربة مجنّدين إسرائيليين في جنوب لبنان عام 1984.