الإيراني رضا عابديني ضيفاً على الـ AUBجاد نصر الله
في الزمن المنمّط الذي نعيش، زمن الفكر الواحد والنموذج الواحد الذي تفرضه العولمة، تبدو الفنون الشعبيّة بمثابة الملاذ الأخير، وتمثّّل الرسوم العفويّة التي تحتل مكانها على الجدران مرآة صادقة ووفيّة لثقافة شعب وهويّته. هذه المقاربة، يتمحور حولها معرض «Tutti Frutti.... الفنون الشعبيّة والتنوّع الثقافي» الذي حطّ رحاله في بيروت، بمبادرة من السفارة الإسبانية، وقسم الهندسة والتصميم الفنّي في «الجامعة الأميركية في بيروت».
المعرض الذي افتتح أمس في «مبنى دار الهندسة» في AUB، هو خلاصة جولة قام بها أميريكا سانشيز، الفنان الأرجنيتي الأصل، المقيم في إسبانيا، على مختلف عواصم العالم. الفنان الحائز «الجائزة الوطنية لأفضل تصميم» في إسبانيا عام 1992، انتقل من أميركا اللاتينية وصولاً إلى المغرب وتونس ومصر بحثاً عن أوجه التقاربوالاختلاف في الفنون الشعبية والرسوم الجداريّة. وكانت النتيجة 200 وثيقة فوتوغرافية لمختلف أشكال الرسوم والجداريّات. أعمال حملت توقيع أشخاص مجهولين وأناس عاديين، نقشوا هذه الرسوم، فإذا بهم ـــــ من حيث لا يدرون ـــــ يطبعون الهويّة البصريّة لبيئتهم، بأدوات تعبير وجماليّات يمكن اعتبارها شكلاً مهماً من أشكال مواجهة العولمة. ومعرض «توتي فروتي» (كل أصناف الفاكهة، إذا شئنا ترجمة حرفيّة)، جال عواصم عدّة، وكانت آخر محطّاته كييف قبل بيروت. إلى جانب هذه التحيّة للفنون الشعبيّة، يضمّ المعرض نصوصاً كتبها مصمّمون غرافيكيون معروفون قدّموا هنا نظرتهم إلى الفنون الشعبيّة التي لا تزال مجهولة، في معظم الأحيان، على رغم انتشارها الواسع. وتستقبل الجامعة الأميركية، في هذا السياق، الفنّان الإيراني البارز رضا عابديني، الذي يقدّم ندوة الأربعاء المقبل، تليها ورشة عمل مع طلاب الجامعة. يُعدّ هذا التشكيلي والخطاط الإيراني الذي استقر في أمستردام بعد نيله «جائزة الأمير كلاوس» عام 2006، من أبرز المصممين الغرافيكيين. أدّى دوراً مهمّاً في إعادة الاعتبار إلى فنّ الخط الإسلامي، العربي والفارسي، وفق نمط منمق ومبتكر. يستعمل عابديني الخطوط بطواعية، خالقاً منها لوحات مثّلت امتداداً للحركة التشكيلية الإيرانية التي برز أول ملامحها في الخمسينيات، مع ما عرف بفنّاني «السقاخانه». حينها، كان الخط والحروفيات الفارسية الأدوات الأساسية للمعركة الثقافية مع المدارس الفنية الغربية (راجع «الأخبار»، عدد 28 أيار/ مايو 2009).
ينتمي عابديني (1967) إلى الجيل الجديد في هذه المدرسة، أمثال شهريار أحمدي وآزاده رزاق دوست وهورا يعقوبي. اعتمدت أعمال هذا الرعيل المعاصر على استنباط أشكال جديدة للحرف الفارسي، عبر اعتمادهم فقط على ما يختزنه هذا الحرف من قيمة جمالية. هكذا بدأوا يصوغونه في تركيبات عصرية، من دون زخرفة زائدة أو تعديل في خصائصه الفنية. بحث عابديني في التقاليد البصرية الفارسية، محاولاً استنباط طرق لتوظيف النص الفارسي في التصميم الغرافيكي، لخلق «لهجة فارسية بصرية فريدة».

توظيف الخطّ في التصميم الغرافيكي لخلق «لهجة فارسية بصرية»
يزاوج فنّاننا الخط الفارسي بالخطّ اللاتيني. يحشر بعض الحروف مع بعضها الآخر حتى تختلط ضمن حدود واضحة، فيرتسم الملصق على ظلال جسد إنسان، أو امرأة محتجبة بالنقاب، أو مستعملاً رسمه الشخصي ليحضنها. في جميع الحالات، تتّحد الكلمات مع الصور في تركيبة يؤكد عليها اللجوء إلى الألوان. هذه الألوان تأتي غالباً بشكل مختزل، لتحول دون اجتزاء الأشكال البشرية المستعملة في التصميم، فلا يطغى عنصر على آخر في الملصق. بهذا الأسلوب، تميّز عابديني عن أقرانه وحجز لنفسه مكانة عالمية كفنان وأكاديمي إيراني مشغول بالهوية الثقافية والاجتماعية، ساعياً إلى مدّ جسور التفاعل بين الفن التقليدي والمعاصر. أسلوبه الخاص، يتفادى التوقّف عند حدود فولكلور سطحي لا غرض منه سوى التسويق السياحي، مرتقياً بالمخزون التقليدي إلى مستوى الابتكار والإبداع. ويرى أنّها «الطريقة الوحيدة للتصميم الغرافيكي الفارسي. أن يجد هويته الحقيقية». الفكرة الرئيسة من التصميم الغرافيكي هي “التكامل بين الرمز والصورة لإيصال رسالة تكون الأقوى والأشدّ تأثيراً مما يمكن أن يقدّمه كل عنصر منهما على حدة». يطبّق عابديني هذا المبدأ بمنتهى الانسيابية في أعماله.
لا يحبّ التكلم في السياسة كثيراً، كما تدل كتاباته ومقابلاته. الأكاديمي في «جامعة طهران» الذي يحث تلامذته على التمسك بالتراث والهوية والبحث الدائم في التاريخ الفارسي، لا يجيب سوى بالفنّ على سيل الأسئلة السياسية التي يمطره بها الصحافيون. طبعاً، مبتغاه من ذلك سياسي بامتياز، إذ يطمح إلى جذب الانتباه إلى حقيقة غنيّة، معقّدة، غير تلك التي تظهرها الفضائيات الغربية عن إيران. كتابه الأخير «الثقافة البصرية الجديدة في إيران الحديثة»، قدّمه بصفته «يقدِّم صورة حقيقية لما يجري داخل إيران، غير ما تريد «سي أن أن» و«بي بي سي» تقديمه! فيه صور عن الكائنات الشعرية، عن الإنسان وقدراته وتساؤلاته ورغباته وآماله».


حتى 20 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ـــــ «دار الهندسة»، الجامعة الأميركية في بيروت ـــــ للاستعلام: 01/350000