حاصرت الضغوط الأوروبية وابتزاز مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، القرارات الحكومية المتعلقة بتنظيم أوضاع النازحين السوريين في لبنان، بعد تهديد المفوضية بقطع العلاقات مع لبنان ووقف التعاون في حال اتخاذ أي إجراءات ترحيلية. كما يُعَدّ عدم تسليم المفوضية الداتا الخاصة بالنازحين إلى السلطات اللبنانية، إحدى أبرز المعضلات التي تواجه الأجهزة المعنية وتمنعها من إحصاء اللاجئين وتصنيفهم. فآخر معلومات موثّقة حصل عليها لبنان عام 2015، تضمّنت تصريحاً عن 870 ألف نازح فقط، بينما تؤكد معلومات أن عددهم وصل إلى مليون و800 ألف حتى عام 2019، وأخرى تتحدث عن مليونين ونصف مليون نازح لا معلومات عن أكثر من نصفهم. هذه الوقائع وغيرها كانت محور اجتماع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أول من أمس مع المنسّق المقيم للأمم المتحدة في لبنان عمران زيرا وممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايس، بحضور وزير الخارجية عبدالله بو حبيب والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري. وتم خلال الاجتماع البحث في الخطة التي وضعتها المديرية العامة للأمن العام لمعالجة ملف النازحين بما يتوافق مع الأنظمة اللبنانية والقوانين الدولية ومذكّرة التفاهم بين الأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الموقّعة عام 2003. وللمرة الأولى هدّد البيسري المفوضية باللجوء إلى «الخطة ب» للحصول على الداتا في حال عدم تسليمها. وكشفت مصادر مطّلعة على الاجتماع أن «الجلسة كانت عاصفة جداً وأن البيسري كان مستاء جداً نتيجة تعاطي الممثلين الدوليين مع ما يطلبه، حيث أظهروا تعنتاً غير مبرر ورفضوا التعاون، ولما سئل البيسري عن سبب توتره إلى هذه الدرجة خلال الجلسة قال إن الملف لم يعد يحتمل المجاملات».وقالت المصادر إن «النقاش تمحور حول الطلبات المتكررة من الجهات الرسمية اللبنانية التي لم تلق أي تجاوب، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في العلاقة مع المفوضية، خاصة أن الأخيرة تخرق الاتفاقية الموقّعة معها». وفيما جرى التأكيد على أهمية الداتا باعتبارها «خطوة أساسية لضبط النزوح وتصنيف النازحين ومعرفة مناطق تواجدهم»، لفتت المصادر إلى أن «الأمن العام اللبناني سيباشر تطبيق بعض الإجراءات من بينها تفعيل مركز خاص به في الدامور لتحويله إلى ما يشبه الداتا سنتر، وسيكون مطلوباً من كل السوريين على الأراضي اللبنانية المجيء الى المركز وقبل ذلك تعبئة استثمارات بالتنسيق مع البلديات أو الجمعيات المعنية»، كاشفة عن «زيارة قريبة للبيسري إلى سوريا يجري التحضير لها».
الحكومة لم تُقدِم على أي خطوة جدية لحل الملف والتواصل مع دمشق


إلا أن الأوساط المعنية بالملف أكدت أن «الإجراءات التي تقوم بها الجهات المعنية، وتحديداً الأمن العام تبقى غير كافية من دون توافر قرار سياسي وتعاون خارجي». وتساءلت المصادر عن «الضمانات بتجاوب السوريين والذهاب الى المراكز المحددة للتعاون مع السلطات اللبنانية، بينما يجري الحديث عن أن المفوضية ستطلب منهم عدم التصريح عن وجودهم»، مشيرة إلى أن «الملف لا يعالج بالترقيع، فالمعطيات المتوافرة عند السلطات والجهات الرسمية في لبنان تؤكد أن الملف أصبح مصيرياً». واعتبرت المصادر أن «الحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة لكونها حتى اليوم لم تُقدِم على أي خطوة جدية في هذا السياق»، وهي رغم إقرارها في الاجتماعات سابقاً بضرورة التواصل مع الحكومة السورية وتشكيل وفد رسمي وزاري لزيارة دمشق، لم تبادر بعد إلى تنفيذ هذه الخطوة، علماً أن «رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس أكد في الاتصال الذي جرى بينه وبين ميقاتي قبل شهرين أن دمشق ترحّب بعودة النازحين كما على التنسيق بين الحكومتين للوصول إلى حل لهذا الملف».