كلام واحد قاله عاموس هوكشتين في بيروت امس. صحيح ان لهجته عند الرئيس نبيه بري كانت أقل حدّة مما قاله عند غيره، لكن جوهر الموقف بقي هو ذاته: اسرائيل تنتصر في غزة وعليكم التوصل إلى حلّ سياسي وإلا تخرج الامور عن السيطرة!المتابعون لتفاصيل زيارة الموفد الأميركي أمس قالوا ان مهمته قد تكون الأكثر خطورة، رغم انه لم يحمل جديداً. لكن عودته الى تل ابيب مجدداً، تظهر ان زيارة بيروت كانت بقصد «سبر غور» اللبنانيين.
ولخص مصدر معني ما قام به المبعوث الرئاسي الاميركي بالآتي:
- التعبير عن القلق من احتمال تصعيد اكبر على الجبهة اللبنانية في حال عدم التوصل الى حل سياسي. هو أشار إلى استمرار المفاوضات حول غزة، وأقرّ بأن مصير جبهة لبنان مرتبط بغزة، لكنه أوحى بأن حماس ستوافق على مقترح بايدن، وبالتالي فإن جيش الاحتلال يقترب من نهاية عملياته في رفح، ليس بمعنى وقف الهجوم، بل لأن المهمة انجزت. وعليه، يتصرف الاميركيون على ان اسرائيل رابحة في غزة.
- اعتبر أن اصرار المقاومة على ربط مصير الجبهة هنا بجبهة غزة لن ينفعها، لأن الحرب في غزة ستتوقف وسيدفع لبنان ثمن تصعيد «قد لا يتمكن أحد من السيطرة عليه». وهو، وإن قدم المشهد بصورة «المراقب الذي يقرأ الافكار الاسرائيلية»، إلا أن قراءة ما بين سطور أحاديثه اختلفت عند الجهات اللبنانية المعنية. فغالبية المسؤولين الذين التقاهم رفضوا اعتبار كلامه تهديداً مباشراً او نقلاً لتهديد اسرائيلي. لكن جهات معنية بارزة أشارت إلى أن الكلام يهدف إلى «ترهيبنا ولو على شكل تقديرات بشأن ما يمكن ان يقدم عليه العدو».
- سمع هوكشتين كلاماً واحداً من جميع الذين التقاهم، مفاده ان لبنان لا يريد الحرب، وأن حزب الله يخوض المعركة وفق قواعد وضوابط واضحة، ويتجنّب ضرب المدنيين في اسرائيل رغم ان العدو يضرب المدنيين اللبنانيين. وأكد المسؤولون جميعاً لهوكشتين بأنه لا يمكن وقف جبهة لبنان اذا لم تتوقف الحرب على غزة.
وفي سياق التوتر المرتفع على الحدود الجنوبية، تولى اكثر من مسؤول اميركي التعبير عن «القلق» من توسع المواجهة. مع حرص على ضرورة التوصل الى حل دبلوماسي، وعلى أن وقف اطلاق النار في غزة سيمهّد لحل على الحدود اللبنانية. يأتي ذلك، على ما يبدو، انطلاقاً من شعور أميركي بأن رئيس الحكومة الاسرائيلية ربما يمهد للهروب من فشل غزة إلى محاولة تحقيق «إنجاز» ما في لبنان، في خطوة قد تؤدي إلى انفلات الأمور، خصوصاً بعد الشريط الذي وزعته المقاومة أمس لمنطقة حيفا.
بري: إسرائيل تصعّد بقتل المدنيين والمقاومة تستهدف الجنود فقط


وقد اعربت جهات غربية في بيروت عن «دهشتها» للصور التي نشرها حزب الله، واعتبرت انها تحمل اشارة الى استعداد للتصعيد، متسائلة عن السبب من وراء بث هذا الشريط في هذا التوقيف بالذات.
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن «أحداً لا يرغب في رؤية حرب إقليمية أوسع نطاقاً»، وأكدت «أننا نعمل مع شركائنا في الشرق الأوسط للتوصّل إلى حلّ دبلوماسيّ بشأن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية». كذلك أعربت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عن «القلق من تصاعد الأعمال العدائية على طول الخط الأزرق في لبنان»، مؤكدة أن «الدبلوماسية هي الطريق الوحيد للحل»، وأن «وقف إطلاق النار في غزة سيمثل اختراقاً للوصول إلى حل على الحدود بين إسرائيل ولبنان». وأشارت إلى أن هوكشتين «يواصل العمل على تهدئة الأمور بين حزب الله وإسرائيل». فيما اشارت هيئة البث الإسرائيلية الى مخاوف في إسرائيل من أن واشنطن قد تقيد شحنات أسلحة إضافية لمنع أي هجوم إسرائيلي في لبنان.
وقال مصدر لبناني شارك في اجتماعات هوكشتين، ان الاخير أُوفد من قبل الرئيس جو بايدن إلى تل أبيب لمناقشة قيادتها في «مخاطر تصعيد الوضع على الجبهة الشمالية»، وأن زيارة لبنان لم تكن مقرّرة، إلا أنه استغل الفرصة لنقل أجواء محادثاته مع الإسرائيليين إلى القيادات اللبنانية وسماع رأيها في الأوضاع، وهو حصر نقاشه في ملف الحرب، ولم يتطرق إلى الملف الرئاسي أو أي ملفات أخرى مثل النفط والغاز. وبحسب المصدر اللبناني فإن الزائر الأميركي عكس «قلق بلاده من أن نتنياهو يواجه أزمة سياسية كبيرة داخل حكومته وعلى مستوى الشارع، وقد يعمد إلى أمور كثيرة للدفاع عن مصلحته السياسية المباشرة. ولذلك، أعربت واشنطن لرئيس حكومة إسرائيل وغيره من القيادات عن قلقها من مغامرة كبيرة مثل شن حرب ضد لبنان». وأضاف المصدر أن هوكشتين «طرح اسئلة حول الالية التي يمكن من خلالها ضبط الوضع العسكري ومنع التصعيد من الطرفين، وسمع الاجواء التي حملها مجددا الى قيادة العدو». وبحسب المعلومات، أكّد هوكشتين أمام الرئيس نبيه بري على «أهمية عدم حصول تصعيد من جانب حزب الله أو القيام بعمليات يمكن أن تقود إلى توسع القتال والخروج عن الإطار القائم حالياً». فيما ردّ رئيس المجلس بأن التصعيد يأتي من إسرائيل، و«قوات الاحتلال هي التي تقوم بعمليات الاغتيال بعيداً عن خط الجبهة، وتقصف مؤسسات صحية وسيارات إسعاف وتقتل المدنيين من أطفال ونساء، والمقاومة لم ترد إلا على المواقع العسكرية حصراً». وقال بري لهوكشتين: «أقنع أصدقاءكم في إسرائيل بوقف التصعيد». وبحسب المصادر، فإن هوكشتين «كان متفهّماً لكلام رئيس المجلس وأقر بأن التصعيد الأخير تسببت به إسرائيل».
وبدأ هوكشتين جولته بلقاء قائد الجيش العماد جوزف عون فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب، قبل أن يختمها بلقاء مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب.
وفي كيان العدو، نقلت وسائل الإعلام أجواء لقاء هوكشتين مع نتنياهو، وكبار مسؤولي الموالاة والمعارضة، وقالت إن المسؤول الأميركي حذّر من احتمال أن تؤدي الحرب في مواجهة حزب الله إلى هجوم إيراني واسع ضد إسرائيل، ولفن إلى أن الأنظمة الدفاعية ستواجه صعوبة في صدّ النيران المكثّفة التي سيطلقها حزب الله. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن هوكشتين أبلغ مضيفيه الإسرائيليين أنّ أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق منفصل بين إسرائيل وحزب الله طالما استمر القتال في غزة، مشيراً إلى أن «هذا موقف حزب الله منذ 7 تشرين الأول الماضي، والإدارة الأميركية ترى أن هذا الموقف لن يتغيّر». ونقلت عن مصادر إسرائيلية أن هوكشتين يأمل بأنه إذا انتهت العملية البرية في رفح خلال أسبوعين أو ثلاثة، فمن الممكن خفض مستوى التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في الشمال. ورغم أن ذلك لن يضع حداً للقتال الدائر بينهما، إلا أنه يمنع توسعته إلى حرب شاملة، ويسمح بإحراز تقدّم كبير في محاولة التوصل إلى اتفاق إطار مستقبلي بين الجانبين.