«لا يمكن، ككلية حقوق، ألا نهتم بما يجري في غزة»، تقول عميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم، لأن «القانون الدولي هنا على المحك». وفي هذا السياق، نظّمت الكلية، الثلاثاء الماضي، ندوة حول حرب غزة وواقع القوانين الدولية والمؤسسات الأممية، تحت عنوان «غزة: القانون الدولي على المحك». ولفتت نجم إلى أن بعض المدعوين إلى الندوة ردّوا بعد إرسال الدعوات اليهم: «عن أي قانون تتحدثون؟»، ما زاد حماستها لتنظيم الندوة، «من أجل إعادة التذكير بأن القانون الدولي الإنساني الذي يُضرب بعرض الحائط ليس وجهة نظر». أرادت نجم أن تركّز الندوة، بشكل أساسي، على شق القانون الدولي نظراً الى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والقواعد والمعايير الدولية المتعارف عليها، إذ أن «غزة أصبحت مقبرة للقانون الدولي ولكل المعايير التي تتغنّى الدول الغربية. والعودة الى القانون الدولي ومعاييره الأساسية ضرورة لأي حل عقلاني»، لافتة إلى أن قضية فلسطين لم تبدأ في 7 تشرين الأول 2023، بل بفرض الاحتلال وممارسة العنصرية وتهويد الضفة الغربية.
الفكرة الأساسية التي أرادت نجم ايصالها، عبر الندوة، هي أن «تعريف الصراع، بحسب السردية الإسرائيلية، كصراع ديني وثقافي أمر خاطئ ومضلل. فالصراع هو بين دولة محتلة ونظام فصل عنصري واستيطاني وبين شعب يتعرّض للقمع». ولفتت إلى أن وعي الشعوب بما يجري في فلسطين بدأ بالبروز حتى في بعض الدول الغربية، و«نشهد اليوم عودة الاهتمام الدولي بقضية فلسطين باعتبارها قضية حقوقية أساسية ومركزية».

دولة فلسطين وحقها بالدفاع عن نفسها
أستاذ القانون الدولي العام في جامعة إيكس مرسيليا البروفسور الفرنسي رومان لوبوف تحدث في الندوة عن الوضع القانوني للقطاع وارتباطه بدولة فلسطين، لافتاً إلى أن بعض وسائل الإعلام الأوروبية تتحدث عن غزة كمنطقة مستقلة، بعدما فصلتها عن الضفة الغربية بطريقة منهجية، لتفكيك فكرة وحدة الأراضي الفلسطينية. ويؤكد لوبوف أن قطاع غزة يشكل حتماً جزءاً من الأراضي الفلسطينية غير القابلة للتقسيم، وهو ما يكفله القانون الدولي وقرار الجمعية العامة 26-25 الذي يحظر أي اعتداء على وحدة الشعب، مشدداً على أن التمييز بين المناطق الفلسطينية في الخطاب الإعلامي والدبلوماسي ليس له أي أساس قانوني. واعتبر أن المشكلة ليست بين إسرائيل وغزة، بل بين إسرائيل وفلسطين.
وأثار لوبوف سؤال: «هل فلسطين دولة مستقلة؟»، ليجيب بأن فلسطين أرض محتلة، وهذا أمر تعترف به كل المؤسسات الدولية، وكل الدول، وحتى محكمة العدل الدولية، لافتاً إلى أن إضفاء صفة الدولة على فلسطين يؤدي تلقائياً إلى اعتبار إسرائيل قوة محتلة، ويعني حق فلسطين في ممارسة سيادتها كاملة. وأوضح أن القانون الدولي يوفر عناصر موضوعية لتقييم الطابع الحكومي لأي كيان، عبر سلسلة معايير وضعتها اتفاقية مونتفيديو لعام 1933، ومنها أن الدولة يفترض أن يكون لها أرض وشعب وحكومة تمارس سيادتها. فهل تستوفي فلسطين هذه المعايير من وجهة نظر القانون الدولي؟ يجيب لوبوف أن وجود أرض لفلسطين أمر لا يمكن الاعتراض عليه، وقد اعترفت به الأمم المتحدة في مناسبات عدة، كما تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أضف إلى ذلك أن السلطة الفلسطينية تشكل حكومة. ولكن هل يمكن لهذه الحكومة أن تمارس سيادتها، وهل السلطة التي تحكم فلسطين مستقلة أم أنها تحت سيطرة إسرائيل؟ هنا، يشير لوبوف إلى أن القانون الدولي لا يوفر أي آلية للتحقق من وجود الدولة وسيادتها، وإلى أن آلية التحقق من وجود دولة هي فقط العناصر التي تم ذكرها، أي آلية الاعتراف. «واليوم تعترف العديد من الدول والمنظمات الدولية بأن فلسطين تستوفي الشروط كدولة، ما يعني أنها تحت الاحتلال».

الولايات المتحدة مسؤولة أيضاً
الرئيس السابق لمكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الانسان في الامم المتحدة، المحامي كريغ مخيبر، نوّه في كلمته بأن «الرعب الذي نشهده في غزة والضفة الغربية يمثل لحظة مفصلية للإنسانية وللقانون الدولي، لأن كيفية استجابة المجتمع الدولي ستحدد ما إذا كان هذا القانون الذي نشأ منذ الحرب العالمية الثانية سيبقى أم سينهار». وأضاف أن «ما نشهده في فلسطين بدأ قبل 75 عاماً، وهذه جريمة إسرائيلية طويلة الأمد، بالتعاون والتواطؤ من جميع الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم الدول الأوروبية». وشدّد على أن «جريمة الإبادة الجماعية هي الجريمة الدولية الكبرى»، لافتاً إلى أنه قبل مغادرته منصبه في الأمم المتحدة، الشهر الماضي، حذر من أن ما يحصل في فلسطين «إبادة جماعية نموذجية. لكن استجابة الأمم المتحدة كانت ضعيفة بسبب الخوف المتجذر من الدول الغربية القوية». وشدّد على أنه «نادراً ما كانت هناك حالة إبادة جماعية أكثر وضوحاً مما يجري في فلسطين». إذ أن «أفعال إسرائيل موثقة وواضحة وتشكل ركناً من أركان الجريمة. وهي تفرض حصاراً على قطاع غزة منذ عام 2005، وتقيّد بشكل متعمد تدفق الغذاء والمياه والدواء ومواد البناء». وأعرب عن دهشته من وقاحة الجناة الإسرائيليين في أفعالهم المتعمدة لفرض عقاب جماعي غير قانوني على السكان المدنيين. ولفت إلى أنه «نادراً ما نرى مثل هذه الحالة الواضحة المنصوص عنها في المادة 2-ج من اتفاقية الإبادة الجماعية».
مخيبر: نادراً ما كانت هناك حالة إبادة جماعية أكثر وضوحاً مما يجري في فلسطين وأميركا وبريطانيا متواطئتان في الإبادة الجماعية


وقال مخيبر إن «مناخ الإفلات من العقاب الذي عملت إسرائيل في ظله لعقود من الزمن في ظل حكم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والدبلوماسيين الأوروبيين، أدى إلى واقع لا شبيه له في التاريخ». وأوضح أن «أصعب عنصر يمكن إثباته في حالة الإبادة الجماعية هو النية، ولكن في حالة الحرب على غزة، تحدث القادة الإسرائيليون علناً عن نواياهم للإبادة الجماعية»، لافتاً إلى أن اتفاقية الابادة الجماعية لا تجرّم أفعال الإبادة الجماعية فحسب، بل تجرم أيضاً بموجب المادة 3 التواطؤ في الإبادة، «وفي هذه الحالة، رأينا حكومة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا تفشل فقط في التزامها القانوني بمنع الجريمة، بل تقدّم دعماً استخباراتياً وعسكرياً واقتصادياً لإسرائيل أثناء انخراطها في أعمالها غير القانونية في غزة. وهنا أيضاً يفترض أن تكون هناك مساءلة قانونية وملاحقة». وأضاف أن «إسرائيل ليست وحدها المسؤولة عن التعويض، إذ شاركت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بدعم هجومها، ما يجعلهما متواطئتين. والتعويض يشمل من شاركوا في حرب غزة بما في ذلك الدول الغربية».
ورداً على سؤال إحدى الطالبات حول الأسباب التي تمنع الأمم المتحدة من القيام بدورها في محاسبة العدو الإسرائيلي لارتكابه جرائم إبادة، لفت مخيبر إلى أنه غادر الأمم المتحدة بعد 32 عاماً ببيان شديد الانتقاد بسبب إحباطه في هذا الشأن. وأضاف: «الحديث عن الأمم المتحدة باعتبارها أحادية أمر خاطئ، إذ أنها منظمة معقّدة للغاية. والأمم المتحدة تخلت عن الشعب الفلسطيني بسبب الخوف من الدول الغربية القوية، ما يجعلها عاجزة عن معالجة المشاكل الحقيقية المتمثلة في الاستعمار الاستيطاني والاضطهاد. وإلى أن تتم معالجة هذه الأسباب الجذرية، لن يكون هناك احترام للقانون الدولي، ولن تكون هناك حقوق إنسان للفلسطينيين».