لا يمكن للكلمات أن تصف هول مجازر العدو الإسرائيلي، ولا لليالي الهادئة أن توفّر لنا النوم وأهلنا وأشقاؤنا في فلسطين يعانون ظلماً وعدواناً غاشماً. في قلوبنا ألم لا يُحتمل، نجد أنفسنا في حالة من العجز والغضب الشديدين بعد انعدام الضمير الإنساني العالمي وانهيار نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من معاهدات واتفاقيات وهيئات وآليات.. ضاربين مفهوم العدل والإنصاف عُرض الحائط. فماذا يمكننا أن نفعل في «القوس»؟

قصف سلاح الجوّ الإسرائيلي للمستشفى الأهلي العربي «المعمداني» شمال قطاع غزة، مرتكباً مجزرة جديدة، يأتي ضمن خطة الاحتلال في الإبادة الجماعية الممنهجة والمتعمّدة بحق الفلسطينيين. مئات الضحايا سقطوا، غالبيتهم من المرضى والأطفال والنساء، بحجة أنهم «غطاء للمقاومين». هو عمل مشين وغير إنساني بأبسط معاني الكلمة، ولا يخفى على عاقل أنه يتعارض تماماً مع القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق المدنيين والمؤسسات الطبّية في «النزاعات» المسلّحة. بيد أن جرائم الاحتلال لا تندرج، بالنسبة لنا، تحت إطار «النزاع» أو «الحرب» لأن «إسرائيل» ليست دولة، بل كيان غاصب لحقّ الفلسطينيين في الأرض والحياة والأمان منذ 75 عاماً، بمؤازرة زعماء الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا الذين أكّدوا أخيراً دعمهم «الثابت والموحّد» لـ«إسرائيل». في الوقت الذي انقطع وصول الماء والكهرباء والغذاء والوقود لأهالي غزة، فيما تلفظ مستشفيات القطاع المتبقية أنفاسها أمام المجازر المتتالية التي يرتكبها جيش الاحتلال «المدعوم» من تلك الدول التي تتغنّى بالقانون الدولي والعدالة!
قبل حوالي سنتين، كتب الباحث الفلسطيني، جابر سليمان، في العدد الأول من «القوس»، حول الترويسة الأساسية في ملحق العدل والإنصاف التي تحمل عنوان «فلسطين - القضية المركزية»: أثلج عنوان «القضية المركزية» صدري وأشعرني بأن القضية الفلسطينية ما تزال قضية العرب المركزية في نظر الأغلبية الساحقة من أبناء هذه الأمة، رغم المحاولات الحثيثة من الأنظمة العربية لإزاحتها من بؤرة اهتمام الشعوب العربية.
فلسطين، قضيّتنا المركزية. ولا، ليس هناك داع لتبرير موقفنا بالتمسّك بالقضية.
القضيّة المركزية هي لبّ القضايا التي من أجلها أُطلق الملحق للدفاع عن العدل بوصفه الميزان الذي يقيس علاقة الإنسان بالحقّ


ولن نقبل أن يُرسّخ تعبير «السلام» لإطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي. الفلسطينيون بحاجة إلى العدالة وإلى استرداد أرضهم المغتصبة كاملة، قبل الحديث عن أي «سلام».
نعلم أن ثمن التحرير باهظٌ، لكننا نعلم أيضاً أن «الحريةَ حياة الأمم وروحها... وأن الأمة التي ترضى بضياع حريتها واستقلالها، وتقبل أن تضع يدها في يد غاصبها إنما هي أحطُّ الأمم وأدناها وأحقها بالزوال والفناء» كما عبّر الأديب المصري المنفلوطي (رواية «في سبيل التّاج»، 1920).
لا يمكن أن نبقى في «القوس» صامتين أمام ظلم يفوق الوصف لشعب نحمل قضيّته في قلوبنا وفي أحاديثنا واجتماعاتنا الأسبوعية واتصالاتنا الهاتفية ومتابعتنا اليومية لنشرات الأخبار والوكالات ومواقع التواصل الاجتماعي وصولاً إلى صفحات الملحق الورقية والإلكترونية. لأن الحق الفلسطيني، القضيّة المركزية، هو لبّ القضايا التي من أجلها أُطلق ملحق «القوس»، للدفاع بقوة عن العدل بوصفه الميزان الذي يقيس علاقة الإنسان بالحقّ.
في قلب كل صحافي وصحافية ومحام ومحامية وأساتذة جامعيين ومحققين من فريق عمل «القوس» نبض قوي، نبض يدعو إلى العدالة والإنصاف. نحن اليوم، كملحق لجريدة «الأخبار» اللبنانية ملتزم بالحقيقة العلمية والأخلاق الإنسانية، نشهد معاناة شعب يتعرض لمجازر وظلم منذ سنين. وما يجري اليوم لا يمكن لنا أن نتجاهله. نعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكننا سنواصل الكتابة عن جرائم العدو الإسرائيلي بحق الفلسطينيين ونشرها والتواصل مع العالم من أجل تسليط الضوء على هذا الظلم والمساهمة بتحقيق العدالة.
نعلم أن ذلك لن يكون مهمّة سهلة، ولكن بصفتنا ملحق يؤمن بضرورة إرساء مفاهيم العدل والإنصاف وحقوق الإنسان، على رأسها حق الفلسطينيين، فإننا لن نتراجع أبداً.