ستبقى أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في الأذهان لسنوات قادمة بعد أن اخترقت المقاومة الفلسطينية أجواء الأراضي المحتلّة من غزّة بعملية حملت اسم «طوفان الأقصى». بتغطية صاروخية، اقتحم مقاتلو «كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، الحدود مع مستوطنات الاحتلال براً وبحراً وجواً في هجوم يعدّ أقوى ضربة غير مسبوقة يتعرض لها العدو الإسرائيلي منذ الخمسين عاماً الماضية. تسبّبت العملية في خسائر مادية وعسكرية وبشرية كبيرة للاحتلال، ستبقى آثارها النفسية لسنوات على المستوطنين الذين «خُذلوا» من جهاز الأمن والاستخبارات «الشهير» في «دولتهم» الصهيونية الملطّخة بدماء الفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن «حماس» قد أطلقت على جناحها العسكري اسم «كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام» في منتصف عام 1991. فمن هو عزّ الدين القسّام؟
هو محمد عزّ الدين بن عبد القادر القسّام، الملقّب بـ«شيخ المجاهدين». ولد في بلدة جبلة جنوبي اللاذقية، في سوريا، عام 1882 في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية. سافر في الرابعة عشرة من عمره إلى مصر لدراسة العلوم الشرعية في الأزهر، حيث تأثّر بقادة الحركة النشطة التي كانت تقاوم المحتلّ البريطاني في مصر.


قاد أول مظاهرة تأييداً لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وأنشأ حملة لجمع التبرعات، لكن السلطات العثمانية لم تسمح له ولرفاقه بالسفر لنقلها.
انتقل إلى قرية الحفة الجبلية لينضم إلى عمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919 - 1920) ضد الاحتلال الفرنسي الذي حكم عليه بالإعدام غيابياً، ففرَّ عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتّخذ مسجد الاستقلال في حيفا مقراً له، حيث التحق بالمدرسة الإسلامية، ثم بجمعية «الشبّان المسلمين»، وأصبح رئيساً لها عام 1926.
كان القسّام في تلك الفترة يتابع استفحال الخطر الصهيوني بسبب السياسة البريطانية الداعمة لمشروع «الوطن القومي اليهودي»، ووصل إلى قناعة بأن بريطانيا هي العلّة وأن لا سبيل إلى ردعها سوى بالكفاح المسلّح. كان يرى أن الجهاد هو القاعدة الأساسية في مقارعة الاحتلال ومقاومته وتحرير الأرض واستنقاذها من المحتلّ. إذ شهر سلاحه في إحدى الخطب قائلاً: «يجب على كل مواطن وكل إنسان أن يتسلّح كي يدافع عن أرضه ووطنه».
كان جامع الاستقلال من أبرز المساجد في حيفا منذ أن اعتلى الشيخ القسّام منبره، فلم تكن خطبه لتقتصر على خطر الصهيونية وأطماعها في فلسطين بل امتدّت لتشمل مطامع الاستعمار في عموم الوطن العربي متمثلة بالانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان والانتداب البريطاني في فلسطين والعراق وشرق الأردن ونفوذه الكبير في مصر والسودان.
استطاع القسّام تكوين خلايا سرّية من مجموعات صغيرة، وجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة. وتميّزت هذه المجموعات بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك وحدات متخصصة كوحدة الدعوة إلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسّس على الأعداء، ووحدة التدريب العسكري.. وغيرها.
تسارعت وتيرة الأحداث في فلسطين عام 1935، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات الشيخ القسّام في حيفا، فانتقل إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرّض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في منطقة جنين ليُلعن ثورته المسلّحة من هناك، بعد بدء طوفان الهجرة اليهودية الجماعية، في 12 تشرين الثاني 1935.
استشهد القسّام بعد أن كشفت القوات البريطانية أمره في 15 تشرين الثاني 1935، عندما تحصّن هو ومجموعة من أتباعه بقرية الشيخ زايد.
كان لاستشهاد الشيخ عز الدين القسّام أثر كبير في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، ونقطة تحوّل كبيرة في مسيرة حركة المقاومة الفلسطينية جيلاً بعد جيل.