لم أعهده فرِحاً ذلك الفرحَ الذي كان يغمر وجهه عند نهاية جلسة افتتاح المؤتمر الثاني للمتقاعدين في البلدان العربيّة، في العاشر من أيار 2023. وكيف لا يفرح وقد نجح المؤتمر الذي حضّرنا له معاً، بالتنسيق مع السكرتير العام لاتحاد المتقاعدين وأصحاب المعاشات العالميّ كيم بوكس، ومنسِّق اتحاد نقابات المتقاعدين في الدول العربية بشير حاكم من الجزائر، بالإضافة إلى تزوّدنا بتشجيع الهيئة الإداريّة لرابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانيّة والمجلس التنسيقيّ لمتقاعدي القطاع العام في لبنان؟ ولم يكن يخفي خوفه من الفشل، بعدما تعثّرت المشاركة المباشرة لعدد من المندوبين لأسباب مختلفة، منها صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول لانتفاء وجود سفارة لبنانية، أو امتناع شركات الطيران عن السماح لهم بدخول الطائرة للسبب السابق، أو لعجز الهيئة المضيفة عن دفع تكلفة إقامة الضيوف في لبنان كما تجري العادة في مثل هذه المناسبات، أو لصعوبة وصول بعض ممثلي المتقاعدين من سوريا وفلسطين والصومال. بَيْدَ أنّ خوفه راح يتبدّد تدريجاً؛ فقد اطمأنّ إلى أنّ التواصل عن بُعْد سيعوِّض عن غياب بعض المشاركين، ولهذا راح، قبل يومين من افتتاح المؤتمر، يوزّع دعوات إلى بعض المدعوّين بنفسه، ومع هذا ظلّ قلق الفشل يساوره. وكان المرض الذي صحبه لثلاثين يوماً يرفع منسوب السكر عنده على غير عادة، فيبدّل عادته من الهدوء إلى القلق والتوتّر، ولعلّه كان يخفي على أصدقائه شيئاً من هذا المرض، وظلّ يمارس نضاله اليوميّ بلا كلل: ينظّم كلّ شيء بنفسه، ويشرف على كلّ مهمّة يكلّف بها زملاءه، ويضع اللمسة الأخيرة على كلّ صغيرة وكبيرة، كلّ همّه أن ينجح العمل، ولهذا كان لا يتردّد من توجيه اللوم والعتاب والتقريع كلّما وجد تقصيراً أو ما يشبه التقصير، وبخاصّة مع اقتراب بدء المؤتمر، ولكن سرعان ما يعتذر.
أعدّ بحثاً مختصراً عن المتقاعدين في لبنان، بعين الباحث الأصيل والناقد الجهبذ والقائد النقابيّ المحكّك. أصرّ على الحضور رغم المرض، وعرضت عليه أن نحجز له غرفة في الفندق، ليرتاح فيها متى أحسّ بالتعب، فوافق ومكث تلك الليلة متابعاً كل التفاصيل، مرحّباً بالضيوف. وكم كانت فرحته لافتة حين التقى بابن الرابعة والثمانين، القادم من غزّة في أول زيارة للبنان. في جلسة الافتتاح أخذ مكانه في الصف الأخير، وكأنّه يريد أن يرى الجميع، أو لا يريد أن يتقدّم على أحد منهم، ولا يخفي سعادته كلّما أتى ضيف جديد. وكان يبدي ابتسامة وهو يصغي إلى كلمات الافتتاح. وفي قاعة الاستراحة رحّب بالجميع فرداً فرداً، كان ينتقل بين الضيوف مثل نحلة فرحة بزهر الربيع، يحادث ويستقبل ويودّع ويشرف على الضيافة، ويوجّه موظّفي الفندق. وفي الجلسة الثانية ألقى كلمة أعدّها بعناية، كانت شاملة وافية معبّرة، وضع فيها الأصبع على الجرح، واقترح الدواء وهو في يدنا نضالٌ لا استجداء؛ فمن حقّنا العيشُ بكرامة أو الموتُ بشرف. رحل الدكتور شبيب دياب وقد ترك ورقة سجّل فيها آخر ملاحظاته، وترك أمانة في عنقنا: متابعة النضال، وحماية المجلس التنسيقيّ لمتقاعدي القطاع العام، وتطوير تجربته لتكون نموذجاً نضالياً يُحتذى.
شبيب دياب، أيّها القائد النقابيّ الخلوق، ناضلت بشرف، ورحلت بفرح الإنجاز... سنبقى على العهد ولن نحيد!
وفاءً للراحل الكبير حمل المؤتمر اسم الدكتور شبيب دياب.

* أمين العلاقات العامة والنقابيّة في رابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانيّة، وممثل الرابطة في المجلس التنسيقيّ لمتقاعدي القطاع العام في لبنان.
--
تجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان الذي يضم كبريات الجمعيات الإنسانية، نعى أمين سر التجمع الدكتور شبيب دياب الذي قضى حياته ملتزماً خدمة الناس من خلال دوره في النجدة الشعبية والتجمع.